اعتقد أن عالم اليوم المتخم بالتناقضات ، يضحك علينا نهارا جهاراً: فيملأ تقاويمنا ورزناماتنا بذكريات ومناسبات نراها ، وكأننا لا نراها: ولهذا فسيكون متوقعاً لمن غدت ذاكرته مدججة بالثقوب والعيوب ، أن يحتفل مثلاً بيوم الكتاب ، وهو منشغل بالفضائيات حد الهوس ، أو نراه يحتفل بيوم الشجرة: فيغرس على عجل فسيلة صغيرة: وعلى مقربة منه تجز الفؤوس غابات يانعة بشراهة نار.
بل سأعتقد جازما أن العالم المتشردق بالغصات ، لا يجعل يخصص يوما للأشياء وذكراها ، إلا إذا كانت آيلة للانقراض ، أو سادرة نحو طي النسيان ، أو تقف قاب هفوتين من خرابها المبين ، والأمثلة أكثر من أن تحصر: يوم للأوزون ، ويوم للشعر ، وآخر للأخوة ، و رابع للصداقة ، والحب ، والأب ، ويوم للأرض ، والحرية وللأم ، وغيرها مما لم أحط به خبرا،،.
واليوم هل كان سيكفي ، أن نوقد شمعة بلهاء فوق قالب حلوى ، ونحتفي بيوم المرأة العالمي الذي يصدف في كل ثامن من آذار ، هل تكفي شمعة كي يتبدد هذا العماء الذي يلف فهمنا الحقيقي للمرأة؟،. لماذا اختصرناها في يوم ، كما اختصرنا الحب في يوم آخر؟، ، وكما اختزلنا الأم في ثالث. فهل عجلة السرعة وجنونها يبيحان لنا أن نتناسى الأشياء الجميلة سنة بطولها وعرضها وتفاصيلها ، ثم نحيي في بضع ساعات شبه احتفال برتوكولي ، لا يكاد يترك أثراً،،.
فالأرض كل الأرض ستكف عن الدوران ، وعن مراودة الشمس ، إذا ما أشاحت حواء بوجها عن آدم وبنيه ليوم أو بعض يوم: فكل مكان لا يؤنث لا يعول عليه ، ولن يعول عليه،، ، وكل يوم لا تكتبه حواء بلغتها: لن يقرأه أهل الأرض ، ولهذا فدعاة التطبيل والتزمير يعرفون أن المرأة ليست نصفنا المقسوم على سراط السكين الدقيق ، ولا نصفنا الذي سيلتصق بنا بمادة لاصقة بعد حين ، المرأة تتواشج معنا ، ونتواشج معها ، وتشتبك معنا ، وتتداخل بنا كأصابع اليدين حين تلتحمان ، أو كبتلات الأزهار أو كخيوط الشمس ، فليست الأشياء إذن مناصفة بلهاء ، بل تكاملات وتواشجات وامتزاجات ، لو كانوا يعلمون،.
السنة بكامل أيامها لحواء المرأة: الأم والزوجة والأخت والحبيبة والبنت والزميلة ، فوردة عابقة بالصدق للتي دفعت وتدفع الأرض نحو مزيد من الحب ، فجعلتها كوكباً مؤثث بالحب.
إذن ، صباح الخير أيتها الحياة ، أيتها المرأة،.
ramzi279@hotmail.com
الدستور