على بعد أيام، تضيء السيدة الاولى، جلالة الملكة رانيا العبدالله، اجمل نساء العائلات الملكية - وفقا لتصنيف متخصص - شمعهتا الخمسين، مزدانة بالعلم والثقافة والجاذبية والجمال والثقة وبعطاء لا ينضب، بين مبادرات وجوائز أعلنتها، وجوائز عربية وعالمية حازت عليها، وزيارات لا تنتهي دعما لاوساط مجتمعية كرست ثقافة الابداع والبحث عن التميز على الرغم من مختلف الظروف وتشعباتها ومآلاتها.
خمسون عاما مجبولة بسنوات ثقل المسؤولية وأهمية الموقع، سنوات، لم تكن سهلة على الاطلاق، حملت فيها جلالتها لواء نشر التسامح والتعاطف، وتعزيز تشييد جسور التلاقي، وتغيير الصور النمطية حيال مجتعاتنا العربية، متمتعة بالوسطية والاعتدال داعية لفهم وقبول الناس لبعضها بعضا، بقطع النظر عن الدين والثقافة، مشددة على بيئة تعليمية محفزة تسخر جسور التواصل مع العالم ولحظية تطوره ونمائه وتطور انماط التعليم النوعي، ونشر الوعي حول حقيقة الحضارة العربية والإسلامية.
ولم تثنها انشغالاتها الجسام عن تسليط الضوء على حقوق وتطلعات واحتياجات اللاجئين والمعوزين، فزرعت باهتمامها هذا بذور أمل لمن فقدوه أو كادوا، مُعرّفة على همومهم عبر منصات عالمية، حازت على اهتمام الحاضرين والمتلقين، فضلا عن دعمها لقضايا الطفل وحمايته وأمانه وصحته وفرص تطوره، وتعزيز التنمية المستدامة والمشاركة في استراتيجيات عالمية لتحسين حياة الملايين حول العالم، فضلا عن اهتمامها بشؤون الاسرة والشباب ومستقبلهم وتطلعاتهم واهتماماتهم وتشجيعهم على الابداع والتميز.
هي صاحبة كتاب "مبادلة الشطائر" الذي يذهب ريعه لتأهيل المدارس الحكومية في الأردن، هذا الكتاب ببساطة مضمونه وعميق معانيه، هو نتاج لتجربة شخصية عاشتها جلالتها في صغرها، اعانتها على اكتشاف وجود اختلافات ثقافية بين الناس، فكان الكتاب، رسالة، لتعزيز فهم تقبل الآخر، وهي كذلك صاحبة "هبة الملك"، و" الجمال الدائم"، وبهما من العبر والدروس العميقة ما يؤثر بالجيل الجديد وطرق تفكيره الايجابية.
اهتمت جلالتها بتطوير التعليم عبر اكاديمية خصصت لذلك، كما اهتمت ببنية المدارس الحكومية واهليتها وتعزيز متطلبات سلامتها، فضلا عن اهتمامها بتعليم الموسيقى فيها، وانطلاقا من الايمان بدور الاردن في الحفاظ على عروبة القدس، كانت جلالتها قد اطلقت مبادرة مدرستي فلسطين لاعادة تأهيل وتوسيع وتطوير وصيانة المدارس العربية في القدس الشرقية، كما اهتمت بتعزيز النهوض بالمجتمع عبر مؤسسة نهر الاردن التي تسهم الى حد كبير بتمكين المرأة عبر مشروعات اقتصادية واستحداث فرص عمل في الصناعات اليدوية والحرفية، فسطرت المؤسسة اجمل قصص التراث الاردني وحضارته العريقة.
وجلالتها أبرز نساء العالم أناقة، ولا تنقصها الجرأة حين أشار بيان صدر عن مكتب جلالتها الى أن "الغالبية العظمى من ملابس جلالة الملكة إما يتم إعارتها لها من قبل دور الأزياء، أو تُقدم كهدايا، أو يتم شراؤها بأسعار تفضيلية مخفضة"، وهذا ينم عن تواضع جم، وحقيقة لا يدانيها الشك، وشفافية لم تخف على أحد، وهي أولا وأخيرا ملكة، وهي السيدة الاولى، وهي صورة الاردن الحضارية التي جابت العالم وحازت على اعجاب العالم ومتابعي الموضة والمشاهير والشخصيات العامة، وهذا مدعاة فخر لنا في الاردن، أن تمثل فيه جلالتها صورة مشرقة عن المرأة العربية، فكانت أكثر السيدات الأول تأثيرا في العالم وفقا لمصادر صحفية عالمية، تحدثت عن أنها أكثر من مجرد ملكة، بل أنها تتمتع بالذكاء الحاد والجمال الاستثنائي، فيما اعتبرت الاولى بين نساء الشرق الاوسط لجهة اهتمامها بحقوق الانسان، وفقا لتصنيف آخر.
وعبر "السوشيال ميديا" لم تغلق جلالتها الباب على نفسها، بل حرصت على أن تحجز لها مكانا في ذلك العالم، فكانت " ملكة الاعلام الاجتماعي"، وفقا لمجلة فوربس الأمريكية، وهذا الأمر جعلها قدوة وأنموذجا يحتذى في أبجديات التواصل والتواضع والحرص على وضع المتابعين بصورة نشاطاتها وصورها وصور عائلتها الملكية الغالية، اضافة لنشر حيثيات الفعاليات والزيارات التي تقوم بها، ما عزز من كسر أي حواجز مفترضة، لا بل وحيازتها على اعجاب الملايين من المتابعين ليس فقط من داخل الاردن بل في العالم أجمع، حيث لا حدود على الشبكة العنكبوتية العابرة للمكان والزمان.
وقد شهد لجلالتها الكثير ممن خبروها عن قرب، فكانت شهاداتهم كعناقيد ناضجة، اذ وصفوها بالذكاء الحاد والتواضع والصدق وحرصها على الاصالة والموروث الحضاري العربي وعلى الشباب ومستقبلهم، وعلى الانفتاح وحب الآخر وتوقها للتغيير الايجابي، وهي أم وزوجة وربة بيت، بكل ما للكلمة من معنى، وهي بسيطة وعفوية، ذات وجه مشرق، صاحبة البسمة الدائمة والأمل، وأينما تحل تصر على مصافحة الحاضرين – كان ذلك قبل كورونا بطبيعة الحال – كما استطاعت جلالتها أن تغير من مفهوم دور الملكة والسيدة الأولى في العالم العربي، فباتت شعلة من نشاطات ومشروعات وفعاليات هامة.
واكاد أجزم أن الصحافة العالمية والجهات المعنية المتخصصة تصنف جلالتها في مجالات الجمال والاناقة، ولكن ذلك المجال ليس الشغل الشاغل لجلالتها، بل هو "تحصيل حاصل"، ونتيجة حتمية لموقعها كملكة، بيد أن هذه التصنيفات ليست اهتمامات جلالتها الاولى والأخيرة، بل انها الصورة المكملة لمسيرة ملكة اكلمت الخمسين من عمرها، ولا زالت في عز عطائها وتألقها، ولعل ذلك العمر، هو ذروة العطاء والتميز والتوجه أكثر فاكثر للبحث عن مشروعات وطنية ومحلية تحدث فرقا في حياة الناس استمرارها لرسالة جلالتها الانسانية والخيرية، لاسيما في زمن الكورونا حيث تبدلت أحوال الناس وتراجعت القيم المادية والروح المعنوية لكثر، فسمعت احدهم يقول، في سياق الحديث عن جلالتها ومبادراتها: " اتمنى أن تطلق جلالتها برنامجا اسكانيا باسمها لفئات عفيفة"، وهذا لا يتعارض مع كل الجهود التي تبذل في هذا البلد من أجل احداث الفرق في حياة المواطنين، بل سيكون من المشروعات الفارقة لمسيرة جلالتها في البذل والعطاء.
لم اقابل جلالتها وجها لوجه الا مرة واحدة في اطار دعوة كريمة من جلالتها ذات رمضان مبارك، لمست منها تواضعا وبساطة في الشكل والمظهر، ورقيا وحبا في التواصل والمعرفة والسؤال عن كل منا، تحب أن تسمع وأن تعرف منا الكثير عن أحوال الناس والبلد، وأن تطمئن الى أننا والوطن في أحسن حال، تتحدث قليلا وتسمع كثيرا، تلك هي بعض من صفات السيدة الاولى التي نعتز بها.
وبعد، وأم الحسين وقد بلغت الخمسين من عمرها المديد، لها منا كل الاحترام والتقدير والعرفان، عن مسيرة حافلة، مسيرة لم تكن سهلة على الاطلاق، بل شابها ما شابها من آراء ومواقف متضاربة، حافظت خلالها جلالتها على رباطة جأشها، صابرة، ومتفهمة، وتخللها محاولات لخلط الاوراق والتسييس وزج مبادراتها بصراعات لا ناقة لها بها ولا جمل، في وقت من الاجدر به تقدير كرامة جلالتها التي هي من كرامة سيد البلاد، سليل الدوحة الهاشمية، الذي نحترم ونجل.
ekhlasqadi@hotmail.com