يحتاج مزاجنا العام، هذه الأيام، الى جرعات كافية من الهدوء والاسترخاء، هذه مسؤولية الحكومة أولاً، ومؤسسات المجتمع المدني ثانيا، ويحتاج -أيضا - إلى مناخات جديدة للتصافي والتآخي، للمراجعة والتفاهم، للمصارحات التي تفضي الى المصالحات، للمقررات التي ترفع الهمم وتحيي الأمل، للمبادرات التي تنعش الضمير العام والمعنويات العامة.. وروح المواطنة والتوافق العام .
في الأسابيع الماضية، تعرض مزاج الأردنيين (لنوبات) قاسية من التفكير والشك والخوف ، وكنا بحاجة فعلا لمن يرصدها ويُدخلها في معامل (الفهم) والتحليل،لأننا لم نفهم ما جرى وما سيجري لاحقا، لكن ذلك للأسف لم يحدث، ما فتح المجال أمام تساؤلات كثيرة.. ومريبة احيانا.. بعضها يتعلق بطبيعة المزاج الأردني نفسه، وبالمرحلة وما جرى على هامش من تحولات ومستجدات، او بما صدر من مقررات وإجراءات، وبعضها يتعلق بالقيم والمفاهيم والمعايير التي يعتمد عليها هذا المزاج في تقديراته وأحكامه، او في إطلاق هواجسه ومخاوفه من الحاضر والمستقبل.. او في الردّ على ما يأتيه من رسائل، مشفرة كانت او غير مشفرة.
من غير الممكن -بالطبع - وصف المجتمع الأردني بأنه (مزاجي) فهو كغيره من المجتمعات يؤثر ويتأثر، ينفعل ويتفاعل، يتحرك أحيانا ويسكن أحيانا أخرى، لكن من الممكن معرفة اتجاهاته وقياس تحولاته واضطراباته وتقلباته، كما انه من الممكن التعامل معها، توجيها وضبطا ومعالجة، تسألني : كيف؟ اعتقد ان المدخل الأساسي هو إعلاء قيمة (المواطنة)، فبمقدار ما ننجح في إنتاج (المواطن) الصالح وحماية حقوقه وتعميق إحساسه بالمسؤولية، بمقدار ما ننجح في تصحيح اتجاهات (المزاج العام) وتهذيبه من اضطراباته وتطمينه على التفاعل بايجابية مع واقعه، وسحبه من سلبيته وحدّته في التعاطي مع الشأن العام.
في إطار قيمة (المواطنة) يمكن ان نحرر كثيرا من الالتباسات التي اضرّت بالمزاج العام، توسيع فضاءات الحرية مثلا يُرسخ لدى المواطن دافعية أفضل للتفكير والإبداع والمشاركة، إشاعة ثقافة المحاسبة -ايضا - تفتح أبواب إقامة موازين العدالة وتدفع قطار الإصلاح وما بداخله من آمال وطموحات الى الأمام، اعتماد منطق الاهتمام بالنبض العام للناس، بدل الاستهانة به يساعد على ردم فجوة غياب الثقة بين المواطن والمسؤول.
اذا كانت بعض المقررات والإجراءات ساهمت في اضطراب المزاج العام، وولدت داخل المجتمع بعض الأزمات فان إعادة هذا المزاج الى سكة استقراره والى عافيته يحتاج الى (مراجعات) تتجاوز وصفات التسكين او التهدئة، وهذا -بالطبع - مرتبط بمدى إحساسنا بصعوبة المرحلة التي نمرّ بها، وبما يترتب على ذلك من أولويات واعتبارات ..
دعونا نقول بصراحة: إن تهيئة المزاج العام لقبول أية مقررات غير شعبية تستوجب إشاعة مناخات من الهدوء والحكمة في التناول، والإقناع في الخطاب، والاهتمام بالنبض العام، وهذه وغيرها -تندرج في إحياء (روح) المواطنة بحيث تصبح قيمة عليا، ومعيارا عاما، واختبارا للممارسات، وحينئذ اجزم بان المزاج العام سيعتدل، وربما يتماهى - كما حصل في أوقات مضت - مع (نوازل) واقعنا وما تحتاجه من حلول ومعالجات، على أرضية (المشترك) الذي يفترض ان تتلاشى فيه الفروق بين اضطرارات الرسمي.. وخيارات الشعبي.. او يتفاهمان على ذلك اضعف الإيمان.
الدستور