هزتني قبل ايام قليلة «مناشدة وكأنها «وصية» على الفيسبوك من صديق عزيز جدا علي «المهندس المعماري ماهر ضياء الدين النمري»، وكما يبدو وجه مناشدته هذه للجميع.. وإن كانت مشروطة يقول فيها: "لدي كتب جديدة وقديمة معظمها قديمة لكنها جيدة وبعضها مرجعية.. صبري وجلدي على القراءة بدأ يخبو.. أرغب في توزيعها لمن ينتفع بها.. أين... ولمن.. إنصحوني لقد إقترب الرحيل.."..!
هاتفت صديقي الاثير «ماهر» وهو مهندس ونقابي فذ لاطمئن عليه فوجدته في كامل صحته وعافيته وانه لا يشكو من أي مرض.. ما جرى كما قال لي: "انني ارتب حياتي اليومية والمستقبلية ليس غير.."..!
قبل سنوات غيب الموت الكاتب الصحفي المصري المعروف أنيس منصور وقد واظبت على قراءة مقالاته في الاهرام والشرق الاوسط ومجلتي اخر ساعة واكتوبر.. وفي نفس يوم وفاته وكان يوم الجمعة كما أتذكر قرأت مقاليه في الأهرام والشرق الأوسط, عنوان مقالته الاولى في الشرق الاوسط اللندنية (لا أحب أن انشغل عن الكتابة..), وفي زاويته «مواقف».. وفي الأهرام قال كلاماً جميلاً : "أنقش الكراهية على الماء وأنقش الحب على الحجر.." !!
واستغربت كيف كتب أنيس منصور مقالتيه قبل يوم من وفاته ودفعهما للأهرام والشرق الأوسط في حين نقلت الصحافة: كانت حالته الصحية قد تدهورت في الأيام الأخيرة إثر اصابته بالتهاب رئوي حاد استلزم نقله للعناية المركزة بمستشفى الصفا في القاهرة... واوصى ان يدفن قلمه الحبر السائل معه وحجته انه قد يحتاجه...!
وفي يوم وفاة المرحوم الكاتب والمربي حسني فريز (أبو نوار) قبل اكثر من عشرين عاما قرأت مقاله الأسبوعي في زاوية (سبعة أيام) في (الرأي) وفيما بعد عرفت أن (ابو نوار) كان يكتب اربع مقالات شهريا ويدفعها مرة واحدة وفي مغلف واحد لرئيس التحرير المرحوم الاستاذ محمود الكايد (أبو عزمي).. وبعد شهر يدفع اربع مقالات أخرى.. وربما كان يفعلها أنيس منصور وكثيرين مثله ايضاً
حقاً.. انني اختلف مع انيس منصور في موقفه السياسي لكن اسلوبه الرشيق وثقافته الواسعة وجلده على الكتابة اليومية تسحرني وتبهرني ايضاً وتدفعني لقراءة جميع مقالاته اليومية مهما كانت الظروف صعبة والأوقات ضيقة..
قبل ثلاثين عاماً دُفن جدي لامي في مقبرة كانت تقع بين جبل النزهة ومخيم الحسين واوصى بدفن عكازه معه وعندما سألناه عن السبب قال: «انها الرفيقة ولعشرات السنين»..! وقيل فقد طلب أنيس منصور (الذي طالما اعترف بانه لا يجيد استخدام الكمبيوتر) بدفن قلمه معه رفيقه وصديقه لعشرات السنين
يحضرني الان الفارابي وهو يقول: "لو كان لي قلبان أملكهما لعشت بواحد وافردت الاخر لمن أحب"..!