لإنعاش ذاكرة أحزاب المعارضة إن وجدت؟!
المحامي عبدالرؤوف التل
22-08-2020 03:34 PM
الحق يقال ان السلطة التنفيذية تتغول، في حالة انعدام الرقابة النيابية على تصرفاتها وقراراتها وكلما تضخمت السلطة التنفيذية ضعفت السلطة التشريعية، وأصبحت أداة طيعة لأصحاب القرار التنفيذي تجيز ما تريد وتصدر القوانين والقرارات التي ترغبها لذلك عملت الشعوب الحية منذ وقت طويل على تقييد السلطة التنفيذية والوقوف بوجه تغولها وتضخمها تجاه السلطات الأخرى في الدولة، وذلك من اجل تحقيق العدالة ودفع مسيرة التنمية الشاملة في مختلف المجالات الى الامام.
وبمقدار ما يكون أعضاء السلطة النيابية على قدر من الوعي النيابي والفكري، وبمقدار ما يكونوا على قدرة كبيرة على اتخاذ المواقف الشجاعة والجريئة، بمقدار ما يحققون للوطن والمواطن من مكاسب صادرة عن قناعة وعن توجه حقيقي نابع من إرادة الشعب وايمانه الكبير بالمستقبل وما ينطوي عليه من عطاء وخير يعم كل الشعب بمختلف طبقاته وشرائحه.
التشريع الذي يصادق عليه المجلس النيابي المدرك لمسؤولياته لا يمكن الا ان يكون متوازناً ينال ثقة الشعب واحترامه، ويعمل جهد طاقته لتنفيذه والعمل وفق احكامه ونصوصه.
منذ سنوات في الأردن حديث عن قانون انتخاب جديد لكن التوجه الحكومي هو إبقاء نظام الصوت الواحد الذي يعني ان على الناخب ان يختار مرشحاً واحداً من بين مجموع المرشحين الذين يتنافسون على مقاعد عدة، و نظام الصوت الواحد افرز في السنوات الأخيرة مجالس نيابية دون مستوى التحديات التي تواجه الامة، ويجب إعادة النظر بهذا القانون والعمل على اصدار قانون اخر يعبر عن رغبة الناس وتطلعاتهم في إيجاد مجلس نيابي يتحمل مسؤولياته الوطنية الكاملة، يجب اصدار قانون انتخاب يجذب جماهير المواطنين الى صناديق الاقتراع بدلاً من المشاركة الهزيلة التي لا تصل الى ما يقرب من 50% حتى مع اقدام أقارب المرشح من عشيرته على الانتخاب عدة مرات في اكثر من مركز اقتراع او تكرار البطاقات الانتخابية لانصار بعض المرشحين مرات عديدة وهذا حدث بالماضي بكثرة.
والجدير بالذكر ان التعديلات الشكلية التي جرت على قانون الانتخاب سواء في القوائم الوهمية او نظام القوائم، ساعدت على إيجاد خلافات حادة وانقسامات مجتمعية ولم تساعد على تكوين راي عام اردني وطني يقف الى جانب نظام الحكم.
يجب اصدار قانون انتخاب جديد يجعل المنتمين لهذا الوطن من رجال ونساء يشاركون في العملية الانتخابية ترشيحاً وانتخاباً على نطاق واسع، يجعل من المنافسة الانتخابية وسيلة لخلق وعي وطني حقيقي وانتماء للنظام والوطن على نطاق واسع.
ان قانون الصوت الواحد ليس اختراعاً اردنياً ولكنه اقتباس من دول أخرى وبالذات فرنسا المشهورة بكثرة القوانين وسرعة تغييرها وتعديلها، لقناعة المشرع هناك ان مصالح الناس متغيرة ومتجددة بصفة دائمة ومستمرة وبالتالي لا بد من قوانين تحكم الواقع الجديد الذي يحدث بين يوم واخر.
قانون الصوت الواحد الأصل به فرنسي وقد عملت به الامة الفرنسية دورة تشريعية في بداية القرن العشرين أي منذ عام 1900م، ثم بانت عيوبه بكثرة وتعرض لانتقادات حادة وشديدة من قبل رجال الفكر السياسي والادبي والأحزاب وكل العاملين في القضايا الوطنية الامر الذي جعل فرنسا تركله بالأقدام لمزابل التاريخ.
لم يقف الشعب الفرنسي تجاه ذلك القانون موقف المتفرج بل قاومه بكل وسائل المقاومة، وخرجت الى الشوارع بمظاهرات عديدة، وكتبت الصحف المقالات المتتالية في نقد القانون وتجريحه واثبات انه قانون رجع لا يساهم في خلق مجلس نواب فاعل ومؤثر، وانما يساهم في اخراج مجموعة منتفعين يتاجرون بأقوات الناس ومصالحهم.
و كان من اعظم من نعرض لهذا القانون بالنقد والتجريح الفيلسوف المؤلف الكبير في مؤلفه الضخم في القضايا التي طرحها وهو كتاب (روح السياسة) الذي طبع في باريس عام ١٩١٠ م و نقله الى العربية قبل اكثر من خمسين عام المحامي والسياسي الاديب الكبير الأستاذ محمد عادل زعيتر رحمه الله الذي زود المكتبة العربية بمجموعة من الكتب التي ألفها الدكتور (غوستاف لوبون) منها حضارة العرب، وهو مجلد ضخم يتحدث فيه عما قدمه العرب للعالم من علم وحضارة ومن كتبه ايضاً (السنن النفسية لتطور الأمم) و(روح الثورات والثورة الفرنسية) وكتابه الجيد (روح السياسة) الذي يحتوي على عدد من الأبواب والفصول حيث تحدث في الفصل الخامس من الباب الثالث الذي وضع له عنوان (المزايدة الانتخابية ومقت النظام النيابي) الذي تحدث فيه عن نظام الصوت الواحد وما فيه من عيوب وسلبيات وما يتركه في المجتمع من اثار سيئة ينعكس سوؤها على الحياة العامة، ويذكر في الكتاب ان من اشد العوامل في مقت النظام النيابي الاستبداد الذي يقوم به نواب الأقاليم ضد أبناء البلاد الذين لا ينضمون الى حزبهم و قد اعرب المسيو (لوبه) الذي كان نائباً قبل ان يصير رئيس جمهورية فرنسا في بداية القرن الماضي. وقد نشر ملاحظاته في جريدة (الجورنال) وشوف انقل قوله وملاحظاته دون تعديل (كيف تريدون ان نحافظ على الطريقة القائلة بأن تنتخب كل دائرة نائباً واحداً عنها، والطريقة المذكورة ذات عيوب لا تخفى على ذي بصيرة؟ لا يعلم سكان باريس درجة الانحلال الذي اوجبته هذه الطريقة في اخلاق أبناء الأقاليم والضغط الذي أدى اليه، فشعار كل مرشح في الأقاليم ان الذي لم ينخبه عدوه، والمرشح الذي ينجح في الانتخابات لا يهتم بسقوط البرد على كروم خصومه وموت مواشيهم، بل يسعى في منح أنصاره تعويضاً عما لحقهم من ضرر وأذى، شامتاً بخصومه الذين يرى في تعويضهم بشيء جزاء لهم على اعراضهم عنه أيام الانتخابات.
وفي بلاد المركزية كفرنسا تدوم مثل هذه الاخلاق زمناً كبيراً، ولكن غريزة العدل النامية لا تظل ساكنة بل تثور في اخر الامر فيا ويل م يحرك مشاعر الحقد في فرنسا.
فقد آل الامر بذوي البصائر الى الحكم على مجلس النواب (الذي جاء نتيجة الصوت الواحد) حكماً قاسياً يدل على ذلك البيان الذي نشره اشهر رجال المجمع العلمي وكلية السوربون ونقابة المحامين فقد جاء فيه ان الطريق القائلة بأن تنتخب كل دائرة نائباً واحداً عنها جعلت عاداتنا الانتخابية و السياسية امراً لا يطاق و أدت الى الاجحاف في سير الإدارة وتطبيق القوانين واحلت المحسوبية محل الحق والانصاف ونشرت الفوضى في دواوين الدولة و اوجدت عجزاً في الميزانية العامة، فقد حان الوقت الذي يجب ان يحرر به النواب من ربقة الاستعباد والمكرهة إياهم على مدارات الشهوات في سبيل كراسيهم، وقد حل الزمن الذي يقتضي ان يتصف فيه النظام النيابي بشيء من الكرامة و الاخلاق وان يقوم النضال على المبادئ مقام المنافسات الشخصية.
هذا رأي جريء وصريح صدر في فرنسا قبل اكثر من مائة عام عندما طبق قانون الصوت الواحد للناخب، والذي أفرز مجلساً نيابياً سيء السمعة في نظر الفرنسيين للأسباب المذكورة أعلاه، ترى أليس من الحكمة والعقل ان نعدل عن هذا القانون وان نعمل على إيجاد قانون انتخابات يفرز مجلس نواب ملتصقاً بالجماهير محققاً لمصالح الوطن والمواطن؟ ترى هل تنتعش ذاكرة ما يسمى بأحزاب المعارضة وتقدم وتقترح قانون انتخاب سليماً يدفع المواطنين متسارعين الى صناديق الاقتراع، أم تبقى هذه الأحزاب تعيش مخدرة.. انها أحزاب معارضة فقط؟!!