الصراع العالمي على الموهوبين وإصلاح القطاع العام
أ.د. عاهد الوهادنة
21-08-2020 11:51 PM
أولت الحكومات الاردنية المتعاقبة عملية التأهيل والتدريب اهتماماً رئيسياً كأحد متطلبات رفع كفاءة الأداء في مؤسسات الدولة المختلفة، استناداً لقول جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم: إن ثقتي بالمستقبل كبيرةِ.... لأنها مستمدة من ثقتي بالإنسان الأردني المبدع... وما يتمتع به من قدرات ومواهب وما يتسلح به من علم ومعرفة وإرادة لا تعرف التعب أو اليأس أو الخوف من التغيير لكن هذه الطموحات الكبيرة لا يمكن لها أن تتحقق إلا بحشد كل طاقاتنا، والعمل معاً يداً بيد وبروح الفريق الواحد». حيث يعتبر التدريب ولا يزال احدى الأدوات المهمة في عملية إدارة وتطوير الموارد البشرية. ومنها اقرار الحكومة سابقاً منهجية إدارة العملية التدريبية والزام كافة الدوائر الحكومية والمؤسسات المستقلة العمل بها. واستناداً للرؤى الملكية في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة السابع عشر في «إن الاستمرار في تطوير أداء الجهاز الحكومي، ليكون على أعلى درجات الاحتراف والكفاءة، من أهم متطلبات نجاح الحكومات البرلمانية، فعلى الحكومة الإسراع في تطوير الموارد البشرية للقطاع العام، وإعداد القيادات المتميزة، وتكريس ثقافة التميز، واستكمال هيكلة مؤسسات القطاع العام، وشبكة خدمات الحكومة الإلكترونية، والارتقاء بنوعية الخدمات العامة الأساسية، كالتعليم والصحة والنقل العام، بحيث يلمس المواطن نتائج الثورة البيضاء التي وجهنا لإطلاقها للنهوض بالقطاع العام والجهاز الحكومي» فقد اصدرت الحكومة برنامج تطوير الاداء الحكومي والذي تضمن ستة محاور وهي تطوير الموارد البشرية وإعادة الهيكلة, تطوير الخدمات الحكومية وتبسيط الإجراءات تعزيز الرقابة والتنظيم والمساءلة والشفافية ودعم عملية رسم السياسات العامة وصنع القرار وتكريس ثقافة التميز. واصدرت الحكومة سابقاً خطة عملها والتي تضمنت بنداً خاصاً بتطوير القطاع العام وجاء في مقدمته «تعتبر الإدارة الحكومية الجيدة ركنا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وقد تم تبني العديد من المبادرات والسياسات خلال العقود الماضية، والتي ركزت في مجملها على بناء جهاز حكومي أكثر فعالية وكفاءة وخاضع للمساءلة». وكذلك كانت الحكومة قد اصدرت «نظام الخدمة المدنية » وجاء في الفصل الخاص بالتدريب أن عملية التدريب تهدف الى رفع كفاءة الجهاز الوظيفي وتزويده بالمهارات اللازمة لتحقيق كفاءة الادارة.
ولعل التدريب جزء اساسي من اصلاح القطاع العام إلا أن الإصلاح الشامل يتضمن إصلاحاً متكاملاً يبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة مروراً بالمرحلة المدرسية والجامعية والتهيئة لسوق العمل ولنا في النموذج السنغافوري مثال حي فكانت البداية هي صناعة الانسان الجيد والمواطن المنتج Produce a good man and a useful citizen. وهذا يتطلب جهدا وافرا لتعديل المناهج والخطط لتكون مبنية على المهارات.
وكما جاء في كتاب «قلم المدير العام» وكتاب «دراسات ورؤى معلوماتية في إدارة المعلومات والمعرقة» «لعل ما يميز القرن الحالي هو سيطرة قوة المعرفة، وان من يُحسن تطويعها وتوظيفها يمتلك القرار الأقوى، وبناء على ذلك أصبحت تنمية الموارد البشرية عاملاً مهما في تعزيز القدرات الإنتاجية والتنافسية، وعليه تم إيلاء موضوع استقطابها وتدريبها والمحافظة عليها وتوظيف مهاراتها وتدريبها وتحفيزها أمراً في غاية الاهمية. إشتد الصراع العالمي حول الموهوبين عندما أصبح الرأسمال البشري يُمثل الأولوية في الاقتصاد المعرفي، لقد كانت الشعوب في الماضي تتصارع حول الارض كأحد أصول الإنتاج. وبناء على ان الادارة تستهدف الافادة المثلى من مواردها البشرية فان تشجيعهم ودفعهم للاجتهاد من خلال تهيئة المناخ المناسب ينمي الابتكار والابداع وينشطه. فقد باتت ادارة الموارد البشرية وصقل المهارات المعرفية احدى اهم مواصفات النظم المؤسسية العصرية في القرن الحالي فهي ادارة لأهم الأصول، اذ ما يميزها عن باقي تلك الاصول انها اصول مفكرة ومنتجة. لذا فقد باتت الدول قاطبـة متقدمـة واقــل تقدمــا تولـــي عنايتهــا البالغــة بالمعرفــة وادارتها وأهميــة بناء قاعدة للرأسمال البشري، من خلال تركيزها على الخطط التى تؤسس للإبداع وتدعمه سواء مـن خـلال المؤسسات الاكاديمية او التدريبية بعد الالتحـاق بالعمـل لضمان حيويتها والمحافظة عليهـا لمواجهـة المنافسـة، اذ ان تشجيـع الابـداع والابتكـار وتأسيس وتدعيـم البنيـة التحتيـة المؤسساتية اللازمة للاعمال والعمـال من شأنهـا ضمـان بقـــاء واستمراريـة تلك النظـم المؤسسيـة ومواجهـة التحديــات المعاصـرة. ومن الشواهد على هذا الطرح ما توافر للدول الصناعية الكبرى ولدول اخرى تتنامى قوتها الاقتصادية، اذ يلاحظ عليهم جميعا ان اهم القواسم المشتركة بينهم «ثروة بشرية»، بمعنى أفراد مدربين بشكل توافرت لهم عقول مفكرة مبدعة وقدرات فنية مناسبة وسمات سلوكية ايجابية مثل المبادرة والالتزام والولاء وادمان العمل وجودة الاداء والاخلاص وروح الفريق، وكل ذلك تحت مظلة «ادارة كفؤة وفاعلة» في مؤسسات القطاع العام والخاص على اختلاف انشطتها، وكذلك في مؤسسات القطاع العام «الحكومية» المعنية بوضع البرامج والسياسات الداعمة لانشطة تلك الشركـات وتقديـــم الخدمات «الحكومية» التي تسهم في تعزيز فاعلية ادارتها، وهذا يؤكد على ان النفوذ الاقتصادي يجـيء عبر قوة اقتصادية تقـوم ليس على مـوارد طبيعية بل على مـوارد بشرية قـادرة على الادارة الفاعلــة وعلى الاداء الجـاد المثمـر للعاملين لتعظيـم القيمـة المضافـة وزيـادة الناتج القومـي في مختـلــف مجــالات النشاط الاقتصادي».
ولقياس ذلك فإنني أرى في «جائزة الملك عبد الله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية» خير دليل على تطوير المؤسسة لخدماتها وعامليها ويمكن لهذه الجائزة أن تكون «بارومتر» الاداء وتحسنه. وعليه وبشكل شمولي فلا بُد من مراجعة واقع وتحديات التدريب في القطاع العام ومبادئ وأهداف نظام التدريب والتطوير لكافة موظفي الدولة، وتحديد أدوار الأفراد والوحدات المشاركة في تدريب موظفي القطاع العام وتفعيل دور الوزير المعني والإدارات العليا في كافة مؤسسات الدولة. وتقييم إدارات الموارد البشرية والموظفين في كافة مؤسسات الدولة بشكل دوري ومنهجي واستبدال نماذج التقييم الحالية بنماذج عملية محوسبة تقيس مؤشرات الإنجاز والتحسن على فترات أطول. وتتطلب مراحل مراجعة عمليات التدريب والتطوير الحالية: تحديد احتياجات التدريب والتطوير، واعداد خطة التدريب والتطوير وموازنتها التقديرية، و تطبيق خطة التدريب والتطوير وتقييمها ومراجعة فعاليتها وقياس اثرها.
ولا بد من تفعيل مدونة السلوك الوظيفي وتفعيل استخدام تكنولوجيا المعلومات وتطبيق نظام الموارد البشرية الموحد (HRMIS) ونشره على مراحل في مختلف مؤسسات الدولة. وتوفير انظمة محوسبة لتقييم الاداء الفردي للموظفين وربط أنظمة التقييم بالأنظمة الألكترونية الأخرى التي تتعلق بالمسار الوظيفي للموظف. وتبني مؤشرات اداء ومثال هذه المؤشرات: وضع خطة تفصيلية تتضمن تحديد احتياجات التدريب والتطوير، وتفعيل وتطبيق الخطة من خلال عقد برامج تدريبية تحقق الاهداف المرجوة، وتقييم البرامج التدريبية من خلال اعداد وتحليل نتائج التغذية الراجعة، ونقل المعرفة المكتسبة عند الموظف لزملائه من خلال نشرها على موقع المؤسسة الالكتروني وعقد حلقات نقاشية وتفعيل برنامج الظل الوظيفي، وتفعيل برنامج التدوير الوظيفي وتوثيق نتائجه، وتعديل نظام التعيين في المناصب القيادية، واستحداث ملفات جودة لكل موظف، وإنجاز دليل افضل الممارسات حسب طبيعة كل وظيفة في المؤسسة، واستحداث جائزة الموظف المتميز، والمشاركة الفعلية في جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الاداء الحكومي والشفافية والفوز بها. ولا بد من استحداث ملف ضمان جودة الأداء او ملف تدقيق داخلي واستحداث/تفعيل جائزة مؤسسية للموظف المتميز ضمن المعايير التالية (أو تعديل النافذ منها ليشمل المعايير التالية): المعيار الأول – الأداء والإنجاز. المعيار الثاني – المبادرة والإبداع. المعيار الثالث – التعاون والالتزام الوظيفي. المعيار الرابع – المشاركة وتحمل المسؤولية. المعيار الخامس – المهارات الإشرافية. المعيار السادس – القدرة على التعلم. والبقاء للأفضل شعار يجب تفعيله.
وعليه لا بد من التأكيد على أن تطوير المورد البشري على اختلاف فئاته ومواقعه من خلال التدريب ونقل المعرفة المكتسبة أمر في غاية الضرورة لمستقبل تنمية الموارد البشرية والمٌجد يجد مكانه وغير ذلك لن يستطيع الاحتفاظ بمقعده. لا شك أبداً، إن ثروة الأمم تكمن في قوة مواردها البشرية.
الرأي