صفحة من تاريخ الاردن : " الحلقة العاشرة "
07-06-2007 03:00 AM
نتابع الحديث عن تاريخ دولة الأنباط في الأردن ، فقد عثر على عملة سكت في روما يعود تاريخها إلى سنة 58 قبل الميلاد ، نقش على احد وجهيها الملك الحارث ممسكاً جملاً بيده ، جاثياً على إحدى ركبتيه وماداً سعف نخيل ، تبين أن النفوذ الهيليني السياسي والعسكري قد زال وحل محله النفوذ الروماني. وعندما كانت الجيوش الرومانية تحاصر القدس أرسل الملك ملكس الثاني ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة لمساعدتها ، إلا أن الرومان لم يكتفوا بما كانت تقدمه مملكة الأنباط من تأييد ومساعدات فطلبوا المزيد ، وعندما رفضت قضوا على استقلالها سنة 105 في زمن الإمبراطور تريانس وأسموها "المقاطعة العربية".وقد نقل لنا التاريخ أخبارا عن تطور الأنباط التجاري ، فبين أنهم لم يكتفوا بنقل المتاجر برا ، بل بنوا لهم سفنا ، وبلغوا موانئ اليمن لينقلوا السلع إلى الميناءين العائدين لهم في شمالي البحر الأحمر وهما ميناء الحوراء وميناء أيلة أي العقبة ، ولم يهدد احد مصالحهم التجارية حتى استولى البطالمة على ميناء أيلة ، وحالوا بين الأنباط وبين الوصول إلى البحر الأحمر .
كما مارس الأنباط مزاولة حرفة أخرى هي استخراج القير أو الإسفلت من البحر الميت وبيعه إلى المصريين خاصة ، لاستخدامه في أعمال التحنيط ، كما برع الأنباط بالكتابة وتطوير الخط العربي ، الذي عرف بالحرف النبطي ، وتفوق الأنباط ايضا بفن النحت فقد أشادوا بيوتهم بالصخر ، وكان لهم نظام إداري متميز ، وكيان سياسي متطور ، وأصبح الملك لديهم ملكيا ، ويتمتعون بقدر كبير من الديمقراطية .
أما بالنسبة لملوك الأنباط ؛ فالسلسلة في قائمة الملوك تنقطع لفترة كبيرة ، وهناك محاولات لإحصائهم وتحديد سنوات حكمهم ، فقد كان أول ملوكهم حارثة الأول ، واسم حارثة من أكثر الأسماء التي تكررت عند ملوك الأنباط ، وقد جاء في التوراة ذكر حارثة زعيم العرب ، ومن ملوك الأنباط حارثة الثاني ، الذي ذكره المؤرخ يوستين انه سيد قوم من العرب ، والملك عبادة الأول ورب أيل الأول وحارثة الثالث الذي ضمت في زمنه دمشق إلى دولة الأنباط ، كما ضم الأنباط إلى دولتهم منطقة لبنان الشرقي التي عين فيها حاكم مقيم نيابة عن الملك النبطي ، كما سيطر الأنباط في عهد حارثة الثالث على جنوبي لبنان وشمالي فلسطين إلى مدينة يافا .
وحكم بعد حارثة مالك الأول الذي لجأت إليه ابنة هيركانوس لمساعدة أبيها في استعادة ملكه ، وانتزاعه من هيرود . وتلا حكم مالك الملك النبطي عبادة الثاني ، الذي شهد عهده الحملة الرومانية على بلاد العرب الجنوبية بقيادة غالس ، وتلا مالك الملك حارثة الرابع الذي أصبح عهده أزهى عهود الدولة النبطية ، فقد شهدت الدولة نهضة عمرانية واسعة ، خاصة في الحجر ومدائن صالح في شنالي الجزيرة العربية ، وقد حارب هذا الملك هيرود ، وتلا مالك الثاني الملك رب أيل الثاني الذي كانت أمه "شقليت" وصية عليه لصغر سنه ، وقد نقل رب أيل نشاطاته إلى بصرى التي كان يقضي أكثر وقته فيها فأصبحت عاصمة للأنباط ، وكان آخر ملوك الأنباط الملك مالك الثالث .
ويمكن تحديد الرقعة الجغرافية لدولة الأنباط التي بلغ أقصى اتساع جغرافي لها في أيام الملك حارثة الرابع ، إذ ضمت منطقة واسعة إلى الجنوب من بترا إلى أن وصلت إلى العلا وكان وجود الأنباط واضحا في منطقة النقب ، كما امتدت إلى الشمال إلى أن ضمت دمشق ، وشملت حدودها موانئ البحر المتوسط وسيناء وموانئ مصر وساحل البحر الأحمر شرقي نهر النيل . وكان للأنباط في مصر جالية كبيرة لها كاهنها ، وكان لهم جمالون من نقلة السلع ذهابا وإيابا بين مصر وبترا ، كما وصل امتداد الأنباط إلى حوض البحر المتوسط ، حتى انه كان للأنباط جالية ومعبد في بتيولي في ايطاليا ، وكانت صلاتهم التجارية قد وصلت أواسط آسيا والهند ، وقد ظهرت نقوش الأنباط في سيناء والنقب ولا تزال إلى اليوم .
وقد امتد النشاط الاقتصادي من بترا إلى بصرى إلى دومة الجندل إلى أم الجمال ، إلى موانئ البحر الأحمر ، والبحر المتوسط ، والعراق وتدمر .
وهكذا دخلت البتراء الجميلة في سبات عميق طويل ، دام قروناً طويلاً واستسلمت لأشعة الشمس وللرياح العاصفة ، منتظرة من يتمتع بجمالها ويتأمل في تاريخها العربي المجيد.وه هي تبحث عن مكان لها بين عجائب الدنيا السبع الجديدة ، وهي تستحق ذلك حقا .
اى اللقاء في الحلقة القادمة من برنامج صفحة من تاريخ الاردن.