لقد افتخرنا طويلاً .. وأنتجنا قليلاً
يوسف عبدالله محمود
19-08-2020 04:41 PM
هذا ما يقوله المفكر العربي الأستاذ عبدالله العروي في كتابه:"العرب والفكر التاريخي". يقول: "لقد أدّينا ثمناً باهظاً للقومية الثقافية، لقد افتخرنا طويلاً، وأنتجنا قليلاً". عبدالله العروي "العرب والفكر التاريخي" ص293.
هذه العبارة التي وردت في أحد مؤلفات هذا المفكر أثارت الدنيا عليه، إذ انطلق دعاة "الأصالة والخصوصية" من المتمسكين بكل ما ورد في تراثنا القديم يشنّون هجوماً شديداً عليه مُتهمينه بالتنكّر للتراث والدعوة للذوبان في فلسفة الغرب وثقافته. كما أرى ويرى غيري من المثقفين، فالرجل لم يكن في قوله السابق متنكراً لإرثه الثقافي القديم، ولكنه ناقم على هؤلاء الذين "لم يختاروا من تاريخنا ما يحفز ويحيي بل ما يخدّر ويميت". هل كان مغالياً العروي حين طالب بمنهجية علمية في قراءة التراث وتحلّل نصوصه" دون أن تكتفي بهذه النظرة التقديسية التي ما زالت هي التي تأسر إليها الكثيرين من مفكرينا حتى اليوم. هل كان مغالياً حين ذكر أننا "أدينا ثمناً للقومية الثقافية" وأنّنا "افتخرنا طويلاً، وأنتجنا قليلاً"؟
لا أظنه كذلك وهو الذي كان يدعو إلى التحديث واجتثاث الفكر الفلسفي المغلق الذي يعتبر الديمقراطية رجساً غربياً أو بدعة غربية ينبغي محاربتها وعدم الإيمان بجدواها! أمّا "أننا افتخرنا طويلاً وأنتجنا قليلاً" فلا أظن أن عاقلاً مستنيراً من أمتنا يعترض على ذلك. لم نكن متواضعين ونحن نفتخر هذا الافتخار الخارج على المألوف.
لم نكن متواضعين حين أنكر بعض مثقفينا فضل الثقافات القديمة على الثقافة العربية زاعمين أن هذه الثقافات قد رفضتها ثقافتنا لأسباب دينية.
ينسى هؤلاء أن الكثير من علومنا القديمة قد أفادت واستفادت من علوم اليونان وغيرهم.
اليوم يكثر الحديث عن "الأصالة والخصوصية. العربية وكأن الآخرين لا يمتلكون خصوصية وأصالة". لا أنكر "الخصوصية والأصالة" حين يظلّ في سياقها الاجتماعي والإنساني المعقول.
أما أن تتحوّل إلى هذا الاعتداد الذي يحجب تقصيرنا الحضاري الراهن، فهذا ما أنكره.
خذْ كتابات الكثيرين من مثقفينا هذه الأيام فلات ترى فيها غير التفاخر بإنجازات غير محدودة للأجداد.
كأنّي بهم يُوارون خيبتنا كعرب في اللحاق بركب الحضارة المعاصرة. كأنّي بهم حين عجزوا عن إنتاج ما هو إبداعي وخلاّق راحوا يجترّون مفردات الماضي دون محاولة علمية جادة لنقد هذه المفردات.