أول من أمس كنت في مواجهة حقيقية مع القراصنة الجدد، وحسبت أني بعيد عن هذه المواجهة لاعتقادي الراسخ أنني أقوم بكل الجهود لدرء خطرهم، ولكن يبدو أن هذا الاعتقاد لدي لم يكن صائبا، فكما قيل "من مأمنه يؤتى الحذر".
لقد تعرضت للقرصنة وبشكل محرج جدا من قبل ما اصطلح على تسميتهم في عالم الكمبيوتر "الهكرز" على البريد الالكتروني الخاص بي، وتمكن القراصنة من إرسال مئات الرسائل الالكترونية إلى قوائم عناوين الأشخاص الموجودة عندي، تفيد بأنني موجود حاليا في لندن وفقدت حقيبتي التي يوجد فيها بطاقة الائتمان إلى جانب مبالغ نقدية وأشياء ثمينة أخرى، وأني أرسل لهم هذه الرسالة لرفض إدارة الفندق إعطائي جواز السفر الخاص بي وأن الإفراج عني من معتقلي في الفندق اللندني يقتضي مني تسديد الفواتير المترتبة على إقامتي فيه، هذا بالإضافة إلى إنني بحاجة إلى النقود للعودة إلى الأردن.
والطريف في الأمر أن إدارة الفندق الذي أقيم فيه تشترط على الأصدقاء، والذين وصلتهم الرسائل الالكترونية التي اطلب فيها مبلغ 2500 دولار أميركي للخروج من المأزق الذي أعيشه في لندن، أن تكون رسائلهم باللغة الأصلية للمملكة المتحدة أي (الانجليزية)، لتتأكد إدارة الفندق أنهم سوف يدفعون المبالغ المستحقة علي!
وانهالت عشرات المكالمات التلفونية علي من كل حدب وصوب للتأكد من صحة المعلومات التي وردت عن ضياعي في فنادق لندن، ونفيت بشدة طبعا تلك الأنباء المزعومة تلك، ولكن ما حدث ذكرني برواية "ضياع في سوهو" لكولن ولسون، كنت قد قرأتها منذ زمن بعيد، تتحدث عن حجم الخراب في النفس البشرية الذي أحدثته الحضارة الغربية.
وفي سياق البحث عن حجم الخراب الذي يحدثه تسلط قراصنة الكمبيوتر على الناس لفت انتباهي تحذير وزارة الخارجية من تنامي ظاهرة تعرض بعض المواطنين لمحاولات احتيال عبر رسائل الكترونية تحمل عروضا وهمية، ويتحدث التحذير عن تعرض بعض المواطنين في الآونة الأخيرة لمحاولات احتيال من خلال تلقيهم رسائل الكترونية توهمهم بالفوز بجوائز نقدية بمئات آلاف الدولارات مقدمة من مصارف أو مؤسسات مالية، وكذلك الترشح لوظائف خارج المملكة برواتب خيالية في شركات كبرى.
في المحصلة النهائية كنت في لندن، ولكن مع رواية جديدة عنوانها ضياع في شبكة الانترنت ومقدمتها بالضرورة ليست المنتمي واللامنتمي ولا حتى ضياع في سوهو لكولن ولسون، والفكرة المجردة التي يتم الحديث عنها أننا مهددون في كل لحظة بالخطر التقني الذي يمكن ان ندفع ضريبته أضعافا مضاعفة في سبيل مجد التقنية التي جعلت منا بطريقة أو بأخرى عبيدا لها، دونما أن نمتلك القدرة للسيطرة عليها.
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد