رحيل العالم الوقور عبد الكريم خليفة
أ.د. خليل الرفوع
19-08-2020 08:29 AM
"وما كان مؤتُه موتَ واحد ولكنه بنيان قوم تهدما" ، ذلكم هو شيخ العربية وسادنها أستاذنا العلامة الدكتور عبدالكريم خليفة رحمه الله.
في مطلع التسعينيات كانت بدايتنا في الدراسات العليا في الجامعة الأردنية، وكان في قسم اللغة العربية آنذاك ثلة من العلماء الكبار منهم عبدالكريم خليفة وناصر الدين الأسد ومحمود السمرة وإحسان عباس وهاشم ياغي ومحمود إبراهيم وحسين عطوان ونصرت عبدالرحمن ونهاد الموسى وإبراهيم السعافين وغيرهم من كبار العربية والأمة، وكان لكل منهم إطلالة بشر وبشاشة وعلم وهيبة، والجلوس أمام أحدهم هو جلوس في حضرة بهاء العربية تاريخا وحداثة وتفكيرا ونقدا.
كان لشيخنا عبدالكريم خليفة وقار العلماء وهدوء الصالحين أبوةً وسماحةً وعلما وتوجيها في غير لجاجة أو غمز، تعلمنا منه حسن الصمت واتزان الكلمة وعمق الفكر وكيفية البحث في التراث والكتابة العلمية الموضوعية، والصلابة في التعبير عن الرأي، حتى لقد كان يدع أبناءه أقصد طلبته يتناقشون ويتجادلون في مشاهد حماسية متوهجة ، فإذا نطق أضفى علينا حديثا كأنه الغمام الممطر أو سحائب الطلّ فنصمت لطيب الكلام ونهدأ لعذوبة الحديث وتقر عقولنا برصانة العبارة وعمق الرؤية، وكأن زهيرا قال فيه بيتَه :
تراه إذا ما جئته متهللا
كأنكَ تعطيهِ الذي أنتَ سائلُه
إن الكلام عن ورثة الأنبياء صعب، بيد أن عالما ومعلما مثل الشيخ عبد الكريم خليفة يستوجب الفخر والثناء والذكر، لم تشغله المناصب القيادية عن المعروف والتعليم والريادة والتجديد، فكان له الفضل في تعريب الآلاف من الألفاظ وبعث التراث،وله الفضل في تمكين الجامعة الأردنية من التطور حينما تولى رئاستها، وله الفضل في تمكين مجمع اللغة العربية الأردني من النهوض والحركة العلمية الدائبة منذ تأسيسه سنة ١٩٧٦م إلى أن سلم رأيته مرفوعةً سامية إلى المفكر عاشق العربية خالد الكركي.
أيها الشيخ العالم تقصر الكلمات عن رثائك، فلهيبتك حيًّا وميتَا ذكرى تمور في قلوب محبيك كندى بشاشتك وشذا ابتسامتك وفوح محياك وحكمة بيانك ، لقد أهديت أمتك ثبات الموقف وصدق الكلمة، وأعطيت وطنك عطاء الوفيّ المخلص الأمين ، فطبت على دينك قبسًا يهدي المريدين إلى مطلع الشمس و أقحوان الربع وغرة الفجر وكرامة المبدأ ، من الله لك الرحمة والمغفرة ولذويك ومحبيك حسن العزاء.