من الصعوبة بمكان التنبؤ بالمستقبل ، فالحياة العملية مليئة بالمتغيرات التي يصعب الإحاطة بها وإخضاعها لمعادلات وقوالب ونماذج جاهزة ، وفي معظم الأحيان فإن الماء يكذب الغطاس.
مع ذلك فإن بعض القضايا الإقليمية الراهنة الشديدة التعقيد ، يمكن التنبؤ بمصيرها بسهولة لا يريد أحد أن يعترف بها لكي لا يتعرض للحرج ويضطر لسلوك معين يفضل تأجيله لعل معجزة تحدث وتعفيه من تبعات سلوكه.
يعرف الجميع في قرارة نفوسهم أن إيران مصممة على صنع القنبلة الذرية ، ومع ذلك فإن البعض يفضل أن يدفن رأسه في الرمال كالنعامة ، ويعلن عن تأييده لحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية ، أي لإنتاج الكهرباء ! وينادي البعض الآخر بالحلول الدبلوماسية ، وهو يعرف أن تصميم القيادة الإيرانية نهائي ، وأنها تناور لكسب الوقت ، وتتحرك بذكاء ، في حين يعرف خصومها الحقيقة ويتظاهرون بالغباء ، وينتظرون حلاً دبلوماسياً لن يوجد ، وفي نهاية المطاف سيقبلون بإيران دولة نووية.
وهناك عقدة في أفغانستان : مليارات الدولارات يتم إنفاقها في حرب عقيمة لها أول وليس لها آخر ، مئات الجنود ومئات الآلاف من المدنيين يفقدون حياتهم ، والنتيجة معروفة سلفاً وهي أن الأميركيين وحلفاءهم سوف ينسحبون من أفغانستان كما انسحبوا من فيتنام ، وإن طالبان سوف تعود للحكم ، ولا فائدة من التأجيل سوى سفك المزيد من الدماء والأموال.
كما في أفغانستان كذلك في العراق ، فأميركا تسيطر على أجواء العراق وتتطلع إلى اليوم الذي تتمكن فيه من الانسحاب بدون إراقة ماء الوجه والاعتراف بالفشل الذريع ، راضية من الغنيمة بالإياب. وإيران تسيطر على الأرض وتحكم قبضتها بواسطة عملائها الذين عاشوا في كنفهـا ، فاحتضنتهم ومولتهم ودربتهم ، وسلمتهم مقاليد السلطة. والنتيجة أن أميركا ستخرج من الباب ، وإيران ستدخل من الشباك ، والدول العربية تتظاهر بأنها لا تفهم هذه المعادلة.
والتأخر في حل القضية الفلسطينية يعود لأن إسرائيل غير قادرة على الاختيار بين ضم الأراضي الفلسطينية وتشكيل دولة واحدة ذات قوميتين ، أو استمرار الاحتلال في ظل دولة الفصل العنصري ، أين بين عنصريتها وبين ديمقراطيتها ، وهي تفضل المماطلة لعل معجزة تحدث فيبتلع البحر قطاع غزة ويختفي الفلسطينيون من الضفة.
الرأي