مع اتخاذ الرئيس أبو مازن قراره بعدم إجراء اللقاء مع رئيس وزراء دولة الاحتلال اولمرت، يكون الرئيس أبو مازن قد اقترب أكثر من نبض الشارع الفلسطيني، وهو موقف كان يتمناه كل الوطنيين الفلسطينيين منذ وقت طويل، إذ أن الجميع لم يكن يرى باللقاءات السابقة التي عقدت أكثر من مجاملات كذابة وعلاقات عامة خادعة، تتم بين من يمثل الضحايا وبين من يقود فرق الجلادين، ولم يكن مقبولا أبدا على الشعب أن يرى زعيمه وهو يصافح اليد الملطخة بدماء أبنائه، وان يقف إلى جانبه لأخذ الصور التذكارية وهو ( أي اولمرت ) لم يتوقف لحظة عن التمادي في حربه القذرة ضد الفلسطينيين، وقد تسببت اللقاءات بحالة كبيرة من الامتعاض والرفض طالت معظم أبناء الشعب الفلسطيني وأوساط واسعة من المحسوبين على حزب الرئيس نفسه، وخصوصا أن هذه المقابلات كانت تجري وقوات الاحتلال تواصل جرائمها البشعةقتلا واغتيالا وقصفا واجتياحات للمدن والبلدات، وهدما للمنازل وتدميرا للبيوت الآمنة على رؤوس أصحابها.كما وتجري اللقاءات واولمرت نفسه يسعر من وتيرة المصادرات، وتوسيع البناء في المستوطنات، ويشدد الخناق على القدس بغرض تهويدها بالكامل، ويواصل حصار قطاع غزة وقصفه برا وبحرا وجوا، وتواصل قواته حربها على مدن نابلس وجنين والخليل، وحتى تداهم رام الله المقر الرئيسي للرئاسة ولمعظم الوزارات، ويواصل بناء جدار الفصل العنصري بوتيرة اكبر، ويجري عليه تعديلات إضافية لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية، كما وتقوم قواته بتشديد الخناق على شعبنا بتعزيز وتكثيف الحواجز الدائمة والطارئة، لشل حياة شعبنا وإنهاكه.
لقد تأخر الإعلان عن هذه الخطوة الصائبة من قبل الرئيس أبو مازن، وكان الأولى به أن يمتنع نهائيا عن إجراء مثل هذه اللقاءات مع اولمرت، وخصوصا بعد أن اتضح جليا من تصريحات الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيتهبان اهتمامهم الرئيسي ينصب على الملف العراقي وعلى الصرع مع إيرانوانه ليس لدى الإدارة الأمريكية أي مشروع أو خطة أو عزم على معالجة الملف الفلسطيني بصورة جذرية، وان ما يقومون به ليس أكثر من إدارة للازمة وتحنيطها خوفا من أن تنفجر.. كما أن اولمرت ومنذ اللقاء الأول في سلسلة هذه اللقاءات، كان يخطط للإبقاء عليها كشكل من أشكال العلاقات العامة الخادعة للرأي العام الدولي، ويستخدمها لتحقيق انجازات داخلية تساعده في تحسين صورته أمام جمهور ناخبيهالذين سيشاهدونه وهو يضرب الفلسطينيين بالليل ويصافح رئيسهم في النهاردون أن يقدم أي تنازل مهما كان صغيرا مثل فك بعض الحواجز..
ويتطلع الشارع الفلسطيني ويأمل، أن يكون هذا الإعلان عن وقف اللقاءات مع اولمرت، بمثابة توجه جديد لدى القيادة الفلسطينية، وانتفاضة جدية على التفكير الذي ساد لديها طوال السنوات الطوال السابقة، حين كانت مستعدة للتعاطي مع كل ما يقدم لها من أفكار، وتبدي التجاوب مع كل المبادرات وتستجيب للضغوط.. وغابت عنها روح المبادرة.. إن هذه الخطوة التي يتمنى الجميع أن تتعمق وان تشكل تحولا جديا في التكتيكات الفلسطينية لتتحول إلى النمط الهجومي بدل الدفاعي.. إن هذه المبادرة قد تساعد كثيرا في تحسين أجواء الحوار الداخلي الفلسطيني، وتدفع بالجميع لتحمل مسئولياتهم في مواجهة الاستحقاقات التي قد تترتب عن هذه الخطوة في العلاقة مع المحتلين، والقيام بما يعزز الصمود الوطني ويقضي على الفوضى والفلتان والاقتتال الداخلي، وكذلك ترتيب البيت الفلسطيني على أسس سليمة.. كما ويتطلع الشارع الفلسطيني أن يرتبط وقف اللقاءات بأكثر من موضوع الإفراج عن الأموال المجمدة، بل وبوقف كافة الجرائم التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية بما فيها عملية بناء الجدار ومصادرة الأراضي وتعزيز الاستيطان، وبالقبول بالتهدئة الشاملة والمتبادلة والمتزامنة في الضفة والقطاع، وفي الدخول الفوري والجدي بعملية التفاوض حول قضايا الحل النهائي، والكف عن مواصلة الادعاء بأنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
الكاتب عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني