نتائج التوجيهي .. مفارقات
د. محمود عبابنة
17-08-2020 10:19 AM
الحمدلله حتى يبلغ الحمد منتهاه .. اخيراً وصل التعليم المتطور في الاردن الى ذرى المجد ، فقد حقق 78 طالباً من طلابنا الميامين العلامة الكاملة في جميع المواد وهكذا دخل الاردن قاموس غينيس للارقام القياسية، ولم يعد لدينا عبارات مثل العشرة الاوائل ، بل بعشرات الاوائل او عباقرة الاردن.
المتمعن بالارقام والاحصائيات المتعلقة بنتائج التوجيهي تتنازعه مشاعر متضاربة، فما بين الفخر وما بين الخوف والتشكيك في النتائج، ويعزز هذا الشعور طبيعة الارقام، فإذا علمنا ان 78 طالب قد حصلوا على نسبة 100% فهذا يشير ان لدينا 78 طالبا يضعون اول خطواتهم على طريق العبقرية واذا جرى ابتعاثهم في التخصصات الطب والفيزياء والكيمياء وعلم الذرة ، فسيعودون الينا علماء قادرين على تحقيق المعجزات والتمكين للخروج من عنق الزجاجة ومن قمقم التخلف العلمي والحضاري الموصومين به.
نتائج التوجيهي اظهرت لنا مفارقات لا نملك اجابة قاطعة عنها، ومن هذه المفارقات:
المفارقة الاولى، ان من هؤلاء المبدعين 71 في الفرع العلمي و 7 فقط في الفرع الادبي، رغم ان الاسئلة كانت على نمط واح وهو اختر الاجابة الصحيحة، الا يبدو ذلك مستغرباً !!!
اما المفارقة الثانية، فإنه ورغم اضراب المعلمين الذي استمر لمدة تزيد عن شهر، الا ان تحصيل الطلاب كان افضل من العام الماضي ، مما يعني انه حتى لو تغير المعلمين او اضربوا فلن يؤثر ذلك على تحصيل العلامات العالية.
اما المفارقة الثالثة، فإنه وخلال جائحة الكورونا واللجوء الى التعليم الالكتروني للمرة الاولى، والشكاوي التي رافقت هذه التجربة، فقد تفوق التعليم الالكتروني على التعليم المباشر، وتبين ان المناقشات والمداخلات في الحصة لا داعي لها ومضيعة وقت.
اما المفارقة الرابعة، فأظهرت ان مقولة التركيز على التفكير وتمكين الطلبة من التفاعل واستخلاص النتائج، قد سقطت امام مقولة ان الحفظ والبصم وهي التي توصل الى المعدلات العالية.
اما المفارقة الخامسة، انه اذا كان من حصل على معدل 96.5% لا يستطيع الدخول الى كليات الطب في بلدهم وهم بالآلاف فما الذي يجب ان يفعلوه سوى السفر الى بلاد الله الواسعة وانتظار حوالتهم الشهرية بالعملة الصعبة من اهاليهم المنكودين؟!!
اما المفارقة السادسة، امام الصعود الصارخ في مستوى العلامات ومعظمها تزيد عن 80% ومع ذلك فإن نسبة الرسوب تزيد عن 43% فمعناه انتهاء الطبقة الوسطى ليس بالمفهوم الاجتماعي وانما بمفهوم علامات التوجيهي ، واصبحت المعادلة اما ناجح متفوق او راسب بامتياز.
نتائج التوجيهي هذه السنة اثارت لغطاً واسعاً وطرحت اسئلة ومفارقات وتحليلات متضاربة تتعلق بمستوى التعليم ومصداقية شهادة التوجيهي وسياسة وضع الاسئلة، وموقف الدولة من المعلمين، ولا نعرف فيما اذا كانت مجرد احداث عادية تعكس باروميتر حقيقي عن تحسن مستوى التعليم، ام ان وراء الأكمة ما وراءها ؟!
واخيراً ، فليكن الله في عون التعليم العالي والجامعات الحكومية والطلبة المتفوقين واهاليهم وهم بعشرات الالوف الذين حصلوا على 96.5 % فما دون، وليكن الله في عون الادارة الاردنية بعد اربع او خمس سنوات ، عندما يتسلم هؤلاء العباقرة ادارة مفاصل الدولة، لن نختم قبل ان نقول مبروك لكل مجتهد حصل على علامته بجدارة.