في دول ثانية، تسقط حكومة بأكملها، حين تأتي سياساتها بنتائج لا يصدقها عقل، لكننا هنا، ندفن رؤوسنا بالرمال، ويخرج المسؤولون بتبريرات لا يقتنع بها أحد.
كيف يمكن لحكومة ان تقنع نفسها أولا، ان هناك أكثر من سبعين طالبة وطالبا كانت معدلاتهم في الثانوية العامة مائة بالمائة، حتى لو كانت الأسئلة عبارة عن اختيار من متعدد، فنحن هنا نتحدث عن قيمة الشهادة، وسمعة الثانوية العامة في الأردن، وليس عن عباقرة حصلوا على هكذا معدلات، إضافة الى الاعداد الكبيرة للذين حصلوا على معدلات فوق التسعين.
اذا كانت الجهات الرسمية تريد ان تقول بشكل غير مباشر، ان التعليم عن بعد قد نجح، وان المعلمين لا فائدة منهم، وسواء اضربوا او داوموا، فلا فرق، وان طلبتنا اذكياء الى هذه الدرجة التي عطلوا فيها عدة شهور، لكنهم حصلوا على معدلات هي الأعلى في تاريخ المملكة، فعلينا اذاً ان نلغي الثانوية العامة، كليا، ونحولها الى دراسة خاصة، او عن بعد، نكاية بأطراف كثيرة، فالمهم ان يثبت بعضهم انه على الطريق الصحيح، حتى لو تم ضرب قيمة الشهادة ذاتها.
هناك دول عربية كانت تحدد مسبقا نسبة النجاح في الثانوية العامة، وبشكل مسبق تقول اننا هذا العام يجب ان ينجح فقط ثلاثين بالمائة من الطلاب، وعلى البقية ان يذهبوا لأنواع ثانية من التعليم الفني والتقني، لكننا هنا نفعل العكس، ولربما الرسالة السياسية مقصودة، عبر الاعتقاد ان بث روح الفرح والابتهاج في نفوس الناس، بهذه المعدلات، يخفف كثيرا من الاحتقان الاجتماعي والخوف من الضرر الذي ساد بيوت طلبة الثانوية العامة، بسبب الحظر .
بهذا المعنى لا يمكن أن نقرأ نتائج الثانوية العامة هذه السنة، دون قراءة الدوافع، فقد بدأ التغيير عبر نمط الإجابات المتعددة، واستعمال الماسح الضوئي، والإصرار على ان التعليم عن بعد ناجح تماما، وان هناك بديل للمعلم، عبر الانترنت وشبكات التلفزة، وصولا الى الرسالة المبطنة، بشأن تجدد كورونا، واحتمالات العودة للحظر، والتعليم عن بعد بشكل كامل، في ظل تعقيدات ملفات ثانية على صلة بالجو الصحي، وملف المعلمين.
نتائج هذا العام، والعام الماضي، وانهمار المعدلات المرتفعة، سندفع ثمنه بعد ثلاث سنوات، بكل هذه الاعداد من خريجي الجامعات الحكومية والخاصة، وسنجد انفسنا امام مئات الاف الخريجين، هذا فوق حالة التجاهل لمستوى طلبة الصف الأول والثاني الذين تضرروا جدا بسبب الحظر، وهم في بداية مشوارهم، ولا أظن أحدا استفاد منهم عبر التعليم عن بعد لصغر عمرهم، لكن التغطية على عيوب التعليم عن بعد، جرت عبر امتحان الثانوية العامة.
وزراء سابقون حملوا حقائب التربية والتعليم، والتعليم العالي، انتقدوا هذه النتائج، ونقدهم لم يكن بحثا عن وظيفة، ولا تصفية للحسابات، بل لمجمل المشهد، وسنرى بعد قليل ان مقاعد الطب مثلا قد لا تكفي لمن معدلاتهم فوق التسعة وتسعين، وكيف ان المعدلات بين الثمانين والتسعين سوف تعاني من اجل الحصول على مقعد في جامعة حكومية، وكيف سيضطر كثيرون للذهاب الى الجامعات الخاصة، هذا فوق ان المعدلات المرتفعة قد لا تكون مؤشرا حقيقيا للتمايز بين طالب وآخر، وسيواجه الطلبة الكلفة في تخصصاتهم الجامعية.
لن يعترف احد بكل هذا الكلام، فقد تم اعلان النتائج فجرا، واستيقظ الناس خوفا، من صوت المسدسات والألعاب النارية، والذي لم يكن يصلي الفجر، كسبت وزارة التربية والتعليم الثواب فيه، حيث استيقظ مرغما، وصلى الفجر، مستغفرا، وربما داعيا على من قلب ليل البلد الى نهار، دون سابق تجربة، ودون هدف واضح، فالذي كان يحشو مسدسه استعدادا لإطلاق النار، لم يوقفه التوقيت، ولا نوم الناس، ولربما استمتع اكثر ظنا منه ان لا رقابة في هذا الوقت المبكر، فزاد رصاصاته، حاسدا ايانا على نعمة الامن والأمان!.
بكل صراحة اذا كانت النتائج حقيقية وتمثل واقع الطلبة، فعلينا ان نطالب اليوم بإلغاء التوجيهي، لأننا حين نرى طلبة يجلسون في بيوتهم أربعة اشهر، ما بين الاضراب وبسبب كورونا، ويتعلمون عن بعد، وينجحون بهذه الطريقة، فهم هنا اما عباقرة، واما يقولون لنا كلنا ان التعليم في البيوت خير من المدارس، وان اغلاق المدارس يزيد من ابداعاتنا.
الغد