عقد المعهد الملكي للدراسات الدينية ومنتدى الفكر العربي ندوة بعنوان "الدين والثقافة والعولمة"، وكانت ندوة مهمة في موضوعها وفي مستوى الأوراق التي قدمها الأستاذان القديران خلدون النقيب وإبراهيم عثمان، وفي مستوى النقاش والمشاركة للحضور المتميز في هذه الندوة، ما يؤشر إلى حالة ثقافية وفكرية متقدمة تخالف الانطباع السائد، وإن كانت بالطبع لا تصححه.
ظاهراتيا ارتبط الصعود الديني في العالم مع العولمة والتقدم العلمي والمعرفي الاتصالاتي والحاسوبي، ولا أدري إن كانت الظاهرتان مترابطتين موضوعيا، وذلك بخلاف الثورة الصناعية التي رافقها انحسار كبير في التأثير الديني على المجتمعات والدول والسياسة، ولكنا نحتاج للمراجعة المنهجية وإخضاع الظاهرة للتساؤل وعدم قبولها على ظاهرها، فليس بالضروة أن يكون ارتباط بين الصعود الديني والعولمة الأخيرة، فربما تكونان ظاهرتين مستقلتين.
وعلى أية حال فإن زيادة المعرفة تقلل اليقين، وتفسح المجال للغموض والفوضى، وفي التصوف فإن الإنسان يبدأ بالإيمان ويرتقي إلى المعرفة فالحكمة، وينتهي بالجهل، ليس الجهل المتأتي من عدم المعرفة أو عدم الإيمان، ولكن المعرفة والإيمان تفضيان إلى القبول والاتساع لكل الأفكار والمقولات، والنسبية، لأن المعرفة في حقيقتها إدراك ما نجهله، وكلما زادت معرفتنا يزداد إدراكنا لما نجهله، ولا يحيط بمدى غير المعروف سوى من يعرف، وهكذا فقد بدا “العارفون” وكأنهم زنادقة.
نحتاج لتكرار القول بالتأكيد على الفرق بين الدين باعتباره النص الذي نزل من السماء وبين التدين أو الدين أو الخطاب الديني باعتباره فهم النص وتطبيقه وتفاعله مع اللغة والإدرك والثقافة والارتقاء الإنساني والمعرفي، وفي هذه الحالة فإن التدين منتج ثقافي وحضاري واجتماعي.
يكاد يجمع المؤرخون الاجتماعيون أنّ صعود الدين في عالمنا العربي مرتبط بحرب 1967، ولكن ذلك لا يفسر الصعود الديني في العالم، وحتى البلاد الإسلامية غير العربية، ذلك أنها بعيدة جغرافيا وفكريا واجتماعيا عن هزيمة 67.
التحدي الأساس في فهم الظاهرة هو كيف نضع الدين في الموضع الصحيح في الحياة، وكيف نجعله موردا للتمدن والتقدم والتنمية، وكيف يعزز دولة ومجتمع القانون، وكيف يكون مصدرا للسلام الروحي والانسجام وتحسين الحياة، وزيادة العمل والإنتاج والرفاه، وهذا هو المقياس الصحيح للتدين، وهذا لا يتحقق تلقائيا للأسف الشديد، ولكنه يحتاج إلى وعي مسبق وإدراك لما نحن عليه ولما نريده، وربما يكون ذلك من حكم استحضار النية في الشعائر، والدعاء الذي هو مخ العبادة، هو ببساطة الإدراك الواعي لما نريده.
ibrahim.ghraibeh@alghad.jo
الغد