ما الذي يريده البعض من الأردن؟ وكأنهم يرونه دولة تفيض بالموارد النفطية، أو دولة عظمى عسكرياً تماثل حلف الناتو قوة، ويريدونه بناء على ذلك ان يتصدى وحده لكل تداعيات الامه ومخططات النيل من حقوقها وكرامتها.
في الفكر العلمي كل رؤية Vision نسعى للوصول اليها، وكل غاية نهدف الى تحقيقها ، وكل خطة نضعها موضع التنفيذ للوصول الى النتائج التي نريد لا بد وان ترتكز على فرضيات ننطلق منها ونؤسس عليها رؤيتنا وخططنا واهدافنا. ولا بد بناءً على ذلك ان تكون هذه الفرضيات حقيقية وصادقة، وإلا سوف نبني عليها رؤية وخططاً واهدافاً غير واقعية وغير قابلة للتحقيق ولن تصل بنا إلاّ إلى الوهم.
في السياسة ايضاً يجب ان تكون المطالبة بمواقف معينة مرتبطة بالفرضيات التي نسميها المعطيات. والتي يفترض ان نتعرف عليها بدقة لاكتشاف حقيقتها وما يمكن ان يُبنى عليها من مواقف ومطالب وإلا كانت رؤانا وخططنا واهدافنا مجرد رغبات وامنيات ان بنينا مواقفنا ومطالبنا عليها نكون قد اخطأنا، وبتكرارها واصرارنا عليها نقع في محذور الخطايا حيث نظلم انفسنا وغيرنا ووطننا ودولتنا.
عندما يقف الاردن موقفاً سياسياً مبدئياً تجاه تحدٍ ما انما يفعل ذلك لتجسيد رمزية الموقف المعبر عن ضمير الامة رغم علمه التام انه لا يملك الادوات والاوراق التي يستطيع بها تحقيق الاهداف التي يؤشر عليها موقفه المبدئي. لكنه لن يدع ذلك يحرمه من التمسك بالمبدأ وتأكيد موقف الامة الى جانب الحق. واستكمالاً لذلك لا يتوانى عن بذل ما يستطيع للمطالبة بما يلبي موقفه بكل جهد سياسي ودبلوماسي ممكن فهو لا يستسلم بل يفعل ما بوسعه وذلك أضعف الايمان.
اذا كان الاردن ليس دولة عظمى في موارده الاقتصادية وقوته العسكرية فإن ذلك لا يجرده من حقه في ان يعلن موقفه من كل ما يواجه الامة من تحديات. ويخطىء كل من يرى ان موقف الاردن المبدئي المعلن يرتب عليه بالضرورة ان يتصدى مادياً لكل التحديات، أو ان يعزل نفسه عن الواقع العربي والاقليمي والدولي، ويحمل نفسه اكثر مما يحتمل حتى لو ادى به ذلك الى المخاطرة غير محمودة العواقب على مصالحه وحياة شعبه وأمن وطنه.
من يطلب من الاردن ما لا طاقة له به كأنما يطلب له الدمار عن قصد او غير قصد. أو هو في احسن الاحوال يطلب منه ان يكون شهيد الامة استشهاداً نتيجته التفريط بمصالح الاردن ومصير شعبه.
لم يكن عرضاً ما يقوله الاردن دوماً عن ضرورة وأهمية بل وحتمية استناد الامة في كل معاركها الى الموقف العربي الموحد. إنه قول الصادق والعاقل المدرك للواقع والعارف بميزان القوى بين العرب واعدائهم. دولة عربية واحدة لن تستطيع ان تفعل شيئاً للأمة مهما كانت مواردها او قوتها العسكرية امام اتساع ومدى امتداد قوة العدو وحلفائه.