في الأردن بدأت .. قرقعة الانتخابات؟!
المحامي عبدالرؤوف التل
16-08-2020 02:38 AM
انا... من المؤمنين ان الحياة النيابية مظهر حضاري لا بد منه لترقية الحياة العامة للشعب، وصنع التقدم على مختلف المستويات، وان انعدام الحياة النيابية مظهر تخلف يساعد على نشر الفساد والافساد، وبانعدامها يهيمن على الحياة العامة في المجتمعات، ركود قاتل، ومستنقعات تكثر فيها المياه الآسنة.
والبلاد تحتاج الى حياة نيابية، ترسخ مبدأ سيادة القانون واحترام الدستور، وتحقيق العدل بين الجميع، والحياة النيابية، بما فيها من فاعلية ونشاط تدعم العمل المؤسسي وتطوره، وتستفز وعي الجماهير باتجاه القضايا التي تخدم الوطن والمواطن، الذي يقف الى جانب الحكومة التي تقف معه، وتستوعب مشاكله الحياتية والمعيشية اليومية وتعمل على حلها، وتقف بوجه الفساد وتغلق أبواب كل مؤسسات الحكم امام العناصر الفاسدة التي تحاول ان تلتهم كل شيء ولا تبقي للوطن وللشعب أي شيء.
في الحياة النيابية تتم مناقشة كل المسائل المالية، ومشاكل المديونية والضرائب التي تفرض على المواطنين وترهق جيوب محدودي الدخل من موظفين وعمال وفلاحين وشرائح مختلفة من أبناء الشعب.
الحياة النيابية، التي فيها يتحقق مبدأ سيادة القانون، ومبدأ سمو الدستور فوق كل القوانين، والسلطات، يكون مجلس النواب هو صاحب الصلاحية في اصدار القوانين ومناقشتها وفق مصالح الشعب والوطن وحسب ما تتطلبه الأوضاع العامة وما وصلت اليه من تطورات اقتصادية واجتماعية وثقافية لا حسب ما تمليه الاستحقاقات الخارجية، والارتباطات الاقتصادية مع الدول الأخرى وما يسمى بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي يفرض شروطاً حسب مصالحه الخاصة لا حسب مصلحة الدولة وشعبها.
وقد نص الدستور الأردني ان القوانين المؤقتة تصدر لاتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير او تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل. فحالات صدور القوانين المؤقتة محدودة بالضرورة، على خلاف الواقع الذي حصل في الأردن في السنوات الثلاث الماضي حيث صدرت قوانين مؤقتة كثيرة جداً ليس لها ضرورة وقد رتبت أوضاعاً اجتماعية واقتصادية ارهقت المواطنين كثيراً وكانت سبباً في الانكماش الاقتصادي وتراجع معدل دخل المواطن الى حد متدن جداً.
الان في الأردن بدأت قرقعة الانتخابات وجلجلتها في شوارع المدن والقرى، في النوادي والمحافل والدواوين تصم الآذان وتصدم العيون بلافتات تحمل شعارات كثيرة وعديدة بعضها يحلق في الفضاء علياً حتى عنان السماء بما تقدمه من وعود لا يقدر على تحقيق الحد الأدنى منها اولو العزم من الرجال.
في دورات انتخابية سابقة تجولت في بعض المدن الأردنية و كذلك في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (الفيسبوك، تويتر، و الواتس أب و غير ذلك)، وليس لي من هدف الا أن اقرأ لافتات وشعارات المرشحين للانتخابات السابقة، لقناعتي ان هذه القراءة تكشف عن مدى تطور الوعي العام لدى المرشحين وما يطمحون لتحقيقه من اجل مستقبل الوطن والمواطن، محاولاً قدر الإمكان ان استرجع بذاكرتي اللافتات والشعارات التي رفعت في الانتخابات السابقة منذ مجلس النواب عام 1989 وما تلاه من مجالس نيابية.
ملاحظة أولية ان الشعارات واللافتات والبرامج الانتخابية السابقة لهذه الانتخابات كانت أكثر وعيا سياسيا ومسؤولية ودراية بمشاكل الأردن أولا وبمشاكل المنطقة العربية وما يحيط بنا من مخاطر ثانيا. وكذلك فان نسبة عالية من الذي خاضوا معارك الانتخابات السابقة من المسيسين في مواقفهم وأحاديثهم العامة، كانوا على علم كبير بأحكام الدستور الذي جعل من النائب نائبا للامة مهمته المشاركة في التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية والمشاركة الفاعلة والمؤثرة في صنع القرار السياسي.
وملاحظة ثانية ان الأحزاب القديمة التي كانت تعمل في غالبيتها تحت الارض ظهرت في الانتخابات السابقة أكثر توحدا وتماسكا مما آلت اليه بعد انتخابات 89 وفي ظل قانون الأحزاب الذي اخرجها من تحت الأرض الى فوقها ووضعها تحت دائرة الضوء، اذ انقسمت على نفسها وخرج من توجهات الحزب الواحد أحزاب عديدة. متصارعة متنافرة "كل حزب بما لديهم فرحون" وظهرت ايضا أحزاب جديدة انقسمت على بعضها بعد ترخيصها بوقت قصير، أصبحت الساحة السياسية في الأردن لديها ما يقرب من خمسين حزبا ويزيد.
في هذه الانتخابات التي يستعد لها الأردن، برزت العشيرة، التي تكاد تحل محل الأحزاب السياسية، تحجت دائرة الضوء ولم تبرز العشيرة في انتخابات كوحدة مترابطة متماسكة بل انها ظهرت متصارعة متنافسة كل فخذ يتربص بالفخذ الاخر ويبرز من ينافسه لينال الثقة ويكون المرشح الوحيد وبالتالي يصل الى مجلس النواب، ان انقسام كل عشيرة الى افخاذ عديدة ظاهرة سلبية لأنه ليس من الحكمة او مصلحة الوطن تسييس العشيرة، والانحراف بها من كونها مظلة اجتماعية أخلاقية لها دور مؤثر وفاعل في ترابط الناس وشدهم الى بعضهم البعض.
من الشعارات التي كتبت على بعض اللافتات هذه العبارة "كونوا اسودا لترسلوا اسدا الى مجلس النواب" وقرأت هذه العبارة أيضا "مرشحكم طموح بلا حدود لدعم الوطن والمواطن"، ومن الشعارات التي كتبت على اللافتات مرشحكم نائب خدمات ومن اجل خدمتكم رشحت نفسي.
هذه قرقعة الانتخابات بدأت، وهل تنتهي هذه القرقعة لفرز مجلس نيابي قادر على تحمل امانة المسؤولية لمواجهة تحديات المستقبل، وهي تحديات كثيرة وخطيرة وصعبة، لا بد من مواجهتها من عقل وحكمة ودراية بما يحدث داخل الأردن من تفاعلات وانفعالات بل واحتقانات، وما يحدث حول الأردن من تحرك للدبابات والطائرات يحتم وجد حكمة وعقل سياسي قادر على مواجهة التحديات.
وان من مصلحة الأردن أولا وجود مجلس نواب قادر على تحمل امانة المسؤولية في اصدار التشريعات وسن القوانين التي تحقق مصالح الناس وتخفف من معاناتهم، نحن بحاجة الى مجلس نواب يمارس دورة رقابة السلطة التنفيذية ومساءلتها واستجوابها وحجب الثقة عنها واسقاطها وفق احكام الدستور الأردني إذا اقتضى الامر.