لا أحد يقلل من أهمية التكنولوجيا واستخدام التقنيات في التدريس والاختبارات والقياس فقد أصبح ذلك أمرا ملحا وضرورة على الجميع العمل باتجاه تفعيلها واستخدامها وتطوير سبل التعامل معها. الخطير في الأمر هو أن يتم اللجوء لها ويوكل أمر إدارتها وتوظيفها لكوادر لم يسبق لها التعاطي معها وقد لا تمتلك الخبرات الكافية للتشغيل والتدريب.
العام الحالي حمل تحديات كبيرة اجبرت الجميع على التكيف والتجريب وربما الولوج إلى عوالم ومجالات لم يكن أي منا مهيئا لها. في التعليم كان التحدي الأكبر مما دعا إلى تجميد استخدام المدرسة كفضاء جامع، يلتقي فيه الطلبة والمعلمين والمنهاج والمرافق وتدار في اركانه عمليات التعليم والتعلم واللعب والتفاعل وكل ما يساعد على نمو الفرد الاجتماعي والعقلي والنفسي والبدني والروحي.
التوقف عن الذهاب للمدرسة واطلاق برامج التعليم عبر منصات التعليم عن بعد التي انشأتها الوزارة في زمن قياس إنجاز يستحق التقدير وخطوة مهمة في ردم الفجوة الرقمية وتشجيع الأسرة التعليمية على استيعاب التكنولوجيا والتوسع في استخدامها.
في ظل الظروف التي مرت بها البلاد وبالنظر إلى ما عانى منه التعليم فلم يتوقع أحد أن تكون نتائج الثانوية العامة لهذا العام كسابقتها في العام الماضي فقد قلت أيام الدوام المدرسي وكان العام صاخبا ومخيفا بكل ما تحمله الكلمة من معان.
في العام الماضي أصيب الشارع الأردني بالذهول عندما لأعلن الدكتور وليد المعاني أن أحد المتقدمين للثانوية العامة قد حصل على
معدل 100 % . يومها ثار الجدل وللمرة الأولى حول إذا ما كانت نتائج الثانوية العامة مؤشرا على كفاءة النظام التعليمي وحول مدى تأثرها بمستويات التشدد أو التساهل التي يبديها من ينفذون السياسات ويشرفون على الامتحانات.
الدهشة التي اصابت المجتمع الأردني اليوم تضاعفت عن تلك التي عايشها الناس في العام الماضي , فقد تبدى لنا أن العشرات من ابنائنا سجلوا الرقم القياسي الذي سجل في السنة الماضية وان الآلاف من الطلبة تجاوزوا حاجز 99 % في سابقة لا مثيل لها منذ ان عملت البلاد بنظام الامتحانات العامة «التوجيهي» في عقد الستينيات من القرن الماضي.
لا يعرف الآباء والأمهات الذين تحصل ابناؤهم على معدلات فوق السبعين بالمائة ايفرحون ام يحزنون وفيما إذا كان ابناؤهم قد استحقوا النجاح الفعلي ام انها ضربة حظ كما يقولون. في مجتمع فقد الطلبة أكثر من نصف الوقت المخصص لاعدادهم وتدريسهم وعاشوا فترة أطول اضراب للمعلمين في بداية العام قبل أن تغلق أبواب المدارس وتتوقف رحلاتهم للصفوف ولقاء المعلمين يتوقع الجميع ان يكون التحصيل اقل وان تكون المعدلات متواضعة أو في الحدود التي تتناسب مع التحديات والظروف التي عايشتها مدارسنا.
الاستقرار الذي حافظت عليه الثانوية العامة عبر أكثر من نصف قرن لم يعد ممكنا بعدما اصبحت الامتحانات واسسها موضوعا لتجارب الباحثين عن إصلاحات بنتائج سريعة تتماشى مع سرعة التغير الذي يطرأ على الحكومات.
التذبذب والتأرجح السريع واستمرار البحث عن نظرية توجه تعاملنا وتصنيفنا لقدرات ابنائنا وبناتنا بحاجة إلى أن تتوقف فلا يوجد منطق في أن يجلس الطلبة في جامعة من الجامعات في أحد المساقات ويعرفون انفسهم بانهم حصلوا على التوجيهي في عهد الذنيبات أو المعاني أو النعيمي باعتبار ان ذلك سيفسر لماذا حصل الأول على 80 والثاني على 95 والثالث على 99. الثانوية العامة اختبار معياري ثابت لا يخضع لايدلوجيات أو أحكام أو أمزجة أو فلسفات من يقومون على إدارة الوزارة بل يستند إلى فلسفة وسياسات وبرامج تربوية عابرة للوزراء وأحكامهم.
الغد