الطابور الخامس والكورونا
اللواء المتقاعد مروان العمد
15-08-2020 04:45 PM
يعود مصطلح الطابور الخامس الى فترة الحرب الاهلية في اسبانيا بين الثوار القوميين الذين كان يقودهم فرانشيسكو فرانكو والجمهوريين اليساريين ما بين الاعوام 1936 - 1939 . واول من اطلق هذا المصطلح هو احد جنرالات القوميين ويدعى أميليو مولا وذلك عندما كانت قوات الثوار القوميين والمكونة من اربعة طوابير تزحف نحو مدينة مدريد عاصمة الجمهوريين اليساريين عندما سأله الصحفين فيما اذا كانت هذه الطوابير الاربعة كافية لاحتلالها فقال نعم مع الطابور الخامس الذيي فيها ، في اشارة الى انصار القوميين داخل مدريد والذين سوف يتحركون من داخل المدينة لمساعدتهم عندما يحين الوقت المناسب . وقد شاع هذا المصطلح في اسبانيا في ذلك الوقت على نطاق واسع .
وقد استعمل هذا المصطلح اثناء الحرب العالمية الثانية من قبل الاطراف المتحاربة وذلك عن طريق استمالة عناصر موالية لها لدى الطرف الآخر بهدف تزويدهم بالمعلومات عنه او نشر الاشاعات بين صفوفه والتي من الممكن ان تهدم الروح المعنوية له وتؤدي الى هزيمته .
وبعد الحرب العالمية الثانية توسع هذا التعبير ليشمل مروجي الاشاعات التي تهدف الى اسقاط انظمة الحكم في بلادهم او نشر البلبلة والفتن فيها .
وللحقيقة فان الطابور الخامس بشقيه موجود ومنذ الازل وقد تم استعماله في الحروب التي كانت تجري بين الدول والامبراطوريات المختلفة والتي كان الكثير منها يُهزم ويختفي عن الوجود نتيجة تواجد الطابور الخامس بين صفوفه .
وقد عانا الاردن بتاريخه الحديث من الطابور الخامس بنوعيه . النوع الذي كان يعمل لصالح انظمة حكم خارجية بهدف سيطرة هذه الدول على الاردن او التجسس عليه لصالحها ، والنوع الذي كان يهدف الى إثارة الفتنة والفوضى بداخله ونشر عدم الاستقرار به بهدف اسقاط نظام الحكم فيه او حتى بهدف اسقاط الحكومات القائمة فيه .
وحتى لا تختلط الامور فأن مصطلح الطابور الخامس لا يشمل المعارضة الديمقراطية داخل الاردن والتي هدفها الاصلاح ومحاربة الانحراف او الفساد او بهدف المطالبة بالمزيد من الحقوق والحريات وبالطرق القانونية والدستورية وضمن مظلة النظام مهما اختلف موقف هذه المعارضة من الحكومات . ولا يشمل من يرفع شعار اسقاط نظام الحكم وتغييره سواء اكان من الذباب الالكتروني في الخارج او اعوانهم ومن هم على شاكلتهم في الداخل لأن هذه الفئة تصنف في قائمة الخونة .
انما هي تشمل اناس يعيشون بيننا ويبدون مثلنا وبعضهم يبعوننا وطنيات ومثاليات في حين انهم في حقيقتهم يهدفون الى خلخلة اركان الدولة من خلال نشر الاشاعات ومحاولة الاساءة لاعضاء الاسرة المالكة او نشر معلومات غير صحية عنهم او عن الحكومة ومؤسسات الدولة على اختلافها وخاصة قواته المسلحة واجهزته الامنية بالاضافة الى نشر الاشاعات عن الاوضاع المعيشية فيه والطعن في المؤسسات الاقتصادية ونشر معلومات غير صحيحة عنها واستعمال اسلوب اغتيال الشخصيات عن طريق فبركة احداث او تصرفات تنسب اليها دون ان يكون لها اساس من الصحة وعن طريق فبركة فيديوهات مسيئة حصلت خارج الاردن والادعاء انها حصلت به ، او استقدام فيديوهات عن احداث وقعت في السابق والادعاء انها حصلت حديثاً في احداث مشابهة .
وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي والتي اصبحت منتشرة على نطاق واسع بين المواطنين الطابور الخامس في نشر اشاعاته وفيديوهاته التي تتوافق مع اهدافه وغاياته . ونلاحظ ان هذالطابور ينشط في عمله عندما يتعرض الاردن لظروف اقتصادية او سياسية تتطلب وحدة الموقف وذلك بهدف زرع عدم اليقين بين المواطنين او اضعاف الموقف الرسمي وخاصة عندما يتعرض الاردن لضغوط خارجية بهدف تمرير امور لا يوافق عليها في محاولة لخلخلة صموده او اثارة الشك بحقيقة موقفه مثل القول ان موقفه الحقيقي يختلف عن موقفه المعلن ويقدمون في سبيل اقناع الناس بذلك ادلة مصطنعة وغير صحيحة .مما يشير الى ان الكثيرين من هذا الطابور يعملون لصالح جهات خارجية لا تضمر الخير للاردن
وحتى في ظل جائحة كورونا فقد نشط هذا الطابور لافشال الجهود الجبارة التي قامت بها الجهات المعنية للتصدي لهذا الوباء وحماية المواطنين منه عن طريق التشكيك بصحة هذه الإجراءات وسلامتها وضرورتها وتوجيه الاتهامات الظالمة للحكومة عن اي خطاء كان يحصل حتى لو لم يكن لها علاقة بحصوله ، ومن خلال التشكيك بوجود الوباء من اساسه ونشر فيديوهات ومعلومات غير صحيحة ومنسوبة لاشخاص غير موجودين لأثبات ان هذا الوباء ليس موجوداً وانه ليس الا مؤامرة من جهات معينة لاهداف سياسية او اقتصادية اوغيرها .
مما ولد انطباعاً لدى الكثير من المواطنين بصحة هذا الادعاء وجعلهم يآخذون موضوع الوباء بعدم الجدية اللازمة وعدم التزام الكثيرين منهم بتعليمات الوقاية منه من خلال لبس الكمامات وتطبيق التباعد الجسدي عن الآخرين وعدم التقبيل وعدم المشاركة بالتجمعات الكبيرة واستعمال المعقمات وغيرها .
وبعد ان حقق الاردن نجاحاً كبيرا في التصدي لهذا الوباء واخذ في تخفيف القيود التي فرضت على القطاعات الاقتصادية والخدماتية وعلى تحركات المواطنين وتنقلاتهم وانخفضت الاصابات الى حد كبير وتكرر تسجيل صفر حالات لعدة ايام واقترابنا من الانتقال الى المنطقة الخضراء اخذت تظهر حالات اصابة قليلة ومتفرقة من شأنها ان تؤخر انتقالنا لهذه المنطقة ، كان هذا الطابور يشكك بصحة هذه الاصابات ويدعي انها غير حقيقية وان الحكومة تدعي ذلك لكي تنفذ اهدافا خاصة من خلال بقائنا في المنطقة الزرقاء .
وفي الايام الخيرة التي اخذت فيها حالات الاصابة بالفيروس تزداد وتنتشر بعد حصول العديد من الاصابات بين العاملين في منطقة حدود جابر ونقلهم الاصابة لعدد من مخالطيهم ، انطلق هذا الطابور ليتهم الحكومة بالاهمال وعدم المسؤولية وانها هي التي سمحت للفايروس بالدخول من جديد ، أويشكك بإجراءاتها الى درجة الادعاء ان هذه الاصابات غير حقيقية وان الهدف من ادعاء حصولها هو للعودة لتطبيق حالات الاغلاق التام وبهدف وقف اعتصامات المعلمين واحتجاجاتهم . وهذه الادعاءات لا يمكن ان تصدر الا عن نفسيات مريضة او حاقدة ولا تضمر اي خير للاردن والتي تسعى لتسيس هذا الوباء . ودون ان تأخد باعتبارها حالات الاصابة التي اخذت ترتفع بشكل كبير بكل دول العالم والتي عاد بعضها لتصبح الاصابات بها بالآلاف ولتعود للمنطقة الحمراء . وحتى نيوزلندا التي كان يُضرب بها المثل بالسيطرة على الوباء والذي اختفى منها لأكثر من مائة يوم عاد اليها من جديد . ومتجاهلين ان هذا الوباء لا يحتاج الى فيزا للدخول الى اي دولة في العالم ولا يمكن التعميم عليه بعدم الدخول وانما ما يمنع دخوله وانتشاره هو أجرات حكومية استباقية وصحية صارمة و وعي المواطن واخذه لهذا الوباء بجدية واتخاذ كل إجراءات السلامة والوقاية منه . ومتجاهلين انه لا يمكن للحكومة ورغم كل انتقاداتنا لها واعتراضنا على بعض افرادها ان تلجأ لخيار الاغلاق الشامل مهما كانت الظروف لأن ذلك سوف يكون بمثابة الانتحار لها وإيصال الاردن الى الهاوية. وانها المحت الى احتمال قيامها بعزل بعض المحافظات او المناطق في حالات الضرورة القسوى وبشكل مؤقت اذا تسارع انتشار الفيروس بها بشكل كبير بهدف السيطرة عليه والحد من انتشاره . وان الدافع لذلك اننا بلد محدود الموارد ولا نستطيع تحمل كلفة مناعة القطيع التي يمكن ان تعرض عشرات الالاف من المواطنين للاصابة بالوباء في نفس الوقت . ولأن هذه لإجراءات لن تمنع المعلمين من الاستمرار في اعتصاماتهم واحتجاجاتهم او العودة اليها لاحقاً اذا توقفت لسبب او آخر او ربما اعلانهم الأضراب في مرحلة لاحقة لم يتم معالجة قضيتهم ان موضوعهم منفصل عن قضية هذا الوباء .
وخلاصة الامر ان الطابور الخامس لدينا تتعدد اهدافه بتعدد اتجاهاته ولكنها كلها لا تضمر الخير للاردن نظاماً وحكومة وشعباً وحفظ الله الاردن شعب الاردن ونظام حكمه منهم ومن شرور كل الحاقدين عليه .