قراءة في نتائج التوجيهي لدفعة كورونا ..
فيصل تايه
15-08-2020 03:52 PM
انه ليوم طيب مبارك لأبنائنا الطلبة الأعزاء ، نقشوه بالجدِّ والاجتهاد ، وزيّنوه بالفرح والسعادة ، فكان عرساً لهم ولعائلاتهم ، واستحقاقاً طيباً لمثابرتهم ، فلنبارك لهم من القلب نجاحهم في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ، بعد حصاد زرع طويل في أول خطواتهم نحو مستقبلهم المشرق ، فكان إنجازاً كبيراً في سنة كورونية استثنائية ، بالنظر إلى النتائج التي تحققت ، فقد خاض ابناؤنا الطلبة وعائلاتهم المعركة بشرف وكسروا حاجز الخوف من الوباء منذ اليوم الأول للامتحانات بعدما اطمئنوا لصوابية اجراءات وزارة التربية والتعليم الاحترازية وضمن البرتوكول الصحي المعتمد بالتعاون مع الاجهزة المختصة التي ضمنت جوا امتحانياً امناً يسوده الطمأنية والراحة ، خاصة وان وزارة التربية والتعليم ما زالت تصّر ان تجعل من هذا الامتحان امتحاناً وطنياً سيادياَ تكافح من اجل الحفاظ على هيبته ، وتسعى من اجل رُقِيِّه وتطويرِه ، ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلة أو بوابة للمجهول ، بل ضماناً للمستقبل.
اذاً .. انفض المولد وخرجت النتائج بعد مخاض مرهق ، في الوقت الذي استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ الخطوات الصائبة في الطريق الصحيح في متابعات جادة سعت من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج لتخرج بالصورة المؤملة النهائية ، دونما إرباك او تعثر ، فالحمد والشكر لله عزّ وجل ، فقد اشهرت النتائج رغم أنف الوباء ، ومع تجاوز كل الظروف التي حملت مختلف التحديات ، إلا أن ذلك كله زال أمام إصرار وعزيمة المخلصين من أبناء تكويننا التربوي العتيد ، وفي هذا دعونا نسجل شكرنا وتقديرنا للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني .
إن نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لهذا العام وبما تحقق من انجازات لطلبتنا الأعزاء في مختلف الفروع يؤكد بأن العملية التعليمية للمرحلة الثانوية وضمن الظروف المعقدة التي مررنا بها من اضرابات المعلمين الى جائحة كورونا كانت تشكل تحديا كبيراً ، الا ان ذلك وبفضل من الله تيسر مع سلامة الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم ، فقد عكست تلك النتائج النجاح الذي تحقق في إدارة ملف الثانوية العامة خلال أزمة كورونا ، وتجاوز الطلبة لتلك المرحلة المهمة في حياتهم ، فقد كان التباعد بين الطلبة طاغياً على المشهد ، وصارت الكمامة والقفازات وأدوات التعقيم أدوات جديدة من أدوات الطلبة في امتحاناتهم ، لتمتد إجراءات السلامة العامة هذه إلى فرحتهم بنتائجهم ، بالرغم من حرص الطلبة وأهاليهم على اقتناص الفرحة التي غير إطلالتها لهذا العام فيروس كورونا .
لقد اوضح وزير التربية والتعليم تفسيراً منطقياً لنسب النجاح وقراءة النتائج في سياقاتها الزمانية والظرفية والعلمية ، فما تشير إليه النتائج أن نسبه الذين حصلوا على معدلات مرتفعة من مختلف المحافظات هي نسبة مرتفعة ، وهذا يؤكد أن النجاح والتفوق بات من حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية ، لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحاتهم برغم التحديات ، مع يقينهم الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم والمحدد لمصيرهم ، حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية ..
انني على يقين تام أن نتيجة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لم تعكس مستوى أداء الطالب وقدراته فقط ، بل هي مرآة لقدرات وزارة التربية والتعليم والمدارس والمعلمين واولياء الامور وهي ايضاً تقييم لقرارات المسؤولين عن العملية التعليمية ابتداء من أعلى سلطة تربوية وانتهاء بالمعلم في صفه ، بالرغم من تغير نمط التقيبم هذا العام ، الا أن الأرقام لا تكذب والنسب لا تتجمل، فقد جاءت الإحصاءات المعلنة من قبل وزارة التربية والتعليم لتكون بمثابة إشهار انتصار مشرف .
اننا اليوم بحاجة إلى تفحص نتائج الامتحان وتحليلها لتقييم مدارسنا ، لتقييم مناهجنا ، لتقييم أدائنا كمعلمين وتربويين ، لتقييم الفترة الحرجة التي مررنا بها خاصة في تجربتنا في التعليم عن بعد ، وبصورة تمكننا من مواجهة تحديات المستقبل ، لتكون بداية لإعادة صياغة أهداف التعليم بصورة حضارية حديثة ومتطورة في عصر تكنولوحيا التعليم ، وهذا يدفعنا للحديث عن تقييم جودة التعليم الذي هو حديث عن اقتصاد المستقبل ، وهذا ما يجعل مسألة التعليم اليوم مصيرية .
كما وعلينا الالتفات إلى منظومة الثانوية العامة الامتحانية بصورتها الحالية ومراجعتها والتحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي أعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت تشخيص الجوانب التي تحتاج الى مراجعة ، وبيان نقاط الضعف ، بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية ، خاصة عند التريث في مراجعة عناصر واليات العمل ، والعقبات التي ما زالت تعترضه ، وكذلك فإننا بحاجة لإعادة النظر في مضمون الامتحان الذي يركز بالمجمل على الجانب التحصيلي والتذكري الفكري وليس على القدرات والكفايات التي يجب ان تركز على المهارات بقياس الذكاءات العشر، وكذلك الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو السير للممارسات والأساليب الدراسية الخاطئة ، كما ويجب ان نلتفت الى أسباب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد الدراسية وخاصة في بعض الفروع ، واعادة النظر في آليات قبول الطلبة للتقدم لامتحان الثانوية المنزلي ( الدراسة الخاصة ) وكذلك أسباب إخفاق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات ، وهذا ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور وكما اشار اليها سيد البلاد في الورقة النقاشية السابعة وتحدث عنها دولة رئيس الوزراء وأكدها معالي وزير التربية والتعليم بجدية مؤخراً .
دعونا نوجه دعوة صريحة ، ندعو من خلالها إلى تأكيد إيجاد محطات تقيميه بين المراحل الدراسية المختلفة ومراجعة عامة للمرحلة السابقة من حياة الطالب التكوينية الدراسية ، والتي قطعنا بها شوطاُ جيداُ ، مع التأكيد على توفير كوادر تعليمية مدربة قادرة على التفاعل مع جميع أركان مجتمع طلاب الثانوية العامة وتحفيزهم ومكافأتهم ، وكذلك تحديد المناهج الدراسية المفاهيمية وبيداغوجيا التعليم ومراجعة أدوات التقييم التقليدية المختلفة وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية كبدائل قوية للمناهج الرسمية..
وأخيراً فإنني أدعو معالي وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي إلى تكريم المدارس المتميزة وتحفيز كوادرها ، فتلك خطوة رائدة ولفته كريمة تشجع على المنافسة الشريفة التي تحتاجها مدارسنا تقديراُ للمعلمات والمعلمين المتميزات والمتميزين ، ودعم الإبداع والتميز الإيجابي ، وتقدير العطاء وذلك التزام مؤسسي من الوزارة يستحق الالتفات إليه بجدية .
بقي ان اقول .. دعوني اجدد تهنئتي لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار فلا يوجد مستحيل عند وزارة التربية متمنيا ان تخوضوا تجربة التكميلي لتكون أسماؤكم في كشوفات الناجحين باذن الله .
أعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية
والله ولي التوفيق