يا له من عام مختلف بكل ما حمل لنا منذ إطلالته، أفرط بحزننا في البداية، وأفرط ببث الرعب فينا بعد ذلك، ثم واصل بإفراطه في ضيعاننا وتوهاننا في التفكير بكل ما اصطحب معه من أحداث، وها هو اليوم يكمل خط سيره في الإفراط ولكن ضمن منحنى آخر، مغاير تماما للأول، وذلك من خلال نثره فرحة النجاح لطلبة الثانوية العامة، فلم يكن فرحا عاديا يحذوه النجاح فقط، بل جاءت الفرحة بمعدلات تنسي الطلبة وذويهم وأحبتهم كل حزن وهم وغصة كان قد عاشها أي منهم خلال العام.
بدأت الحكاية في اللحظة التي صحوت فيها على دوي إطلاق النار، خفت قليلا وبادرت بالدعاء دون وعي، ظننتها ملاحقة لأحد الفارين من العدالة، كما اعتقد دائما، ولكن الأصوات استمرت، ولا زالت تعلوا، وكأنها من مناطق مختلفة، خفت أكثر وخلتها حرب، من الطبيعي أن يأخذني التفكير إلى هنا فأبواب الفجر لم تطرق بعد.
في هذه الأثناء كان هاتفي يرن أيضا، وظننته المنبه الذي أضبطه يوميا على الساعة 3:53 دقيقة، فأمد يدي وأعطيه غفوة كالعادة، استمر كل شيء، والهاتف لا زال يرن، والأصوات تتوزع وتنتشر وتتباين، حينها، لم يبقى لي حجة، كان لا بد أن أنهض، وإذ على هاتفي 53 مكالمة لم يرد عليها، عندما قرأت الإسم، بدأت أستذكر أن اليوم نتائج التوجيهي، فتبدد خوفي، وفهمت كل شيء.
حتى توقيت النتائج كان مختلف عن كل عام، ومن الواضح أن الحكومة تدرك أن كل منا متعطش للحظة فرح مهما كان حجمها، حتى من لم يكن في بيته طالب من طلبة الثانوية العامة، إلا أن ردة فعله لم تكن تختلف عن ردة فعل أصحاب العلاقة، ما يجسد مغهوم "اللحمة الإنسانية" بكل أبعادها.
فأن يفرح الكل وكأن الفرحة تخصه أيضا، هو مؤشر مبشر كم نحن شعب بسيط، تجمعنا قيم راسخة، وأصول طيبة، شعور يبعث بالفخر أن تسمع بأذنيك قول أحد من لم يحالفه الحظ بالنجاح "هو النجاح طاير، بلحقه عالتكميلي لا تضيع فرحتنا فيك"، سعيدة جدا بكل من فرح من قلبه لجاره، أو لأي شخص لا تربطه به أي علاقة، هنيئا لنا جميعا يا أردن هذه الفرحة الاستثنائية في ظروف هي أيضا استثنائية.