مسارات: الشوبك وادي غوير " النخيل"
عبدالرحيم العرجان
15-08-2020 11:39 AM
بعد ثلاثة ساعات من عناء الطريق الصحراوي الفائق الخطورة وصلنا الى بلدة المنصورة في محافظة الشوبك، متجهين نحو وادي غوير مستدلين بالإشارات الإرشادية السياحية ذات اللون البني والمستحدث اسمه "بوادي النخيل"، الذي يبدأ من شمال المحافظة بشكل شبه مستقيم باتجاة الغرب، بصدع صخري اقرب ما يشابه سيق البتراء من حيث التكوين وبطول يصل الى ثمانية عشرة كيلومتر.
ابتدأنا المسار من الجهة المقابلة لمشروع الحصاد الكهربائي من طاقة الرياح، متبعين مجراه الضيق، المستمد اسمه "غوير" من الطبيعة المائية فهي تغور في حصى أرضه وتعود وتظهر في مناطق متتالية على مداه الأخاذ الشبه منحدر بتكويناته والساحر بألوانة، و مابين ما تأصل فيها من أشكال رسوبية بصخره الوردي وما نحتته عوامل الطبيعة في أجزائه بفعل جريان الماء والرياح، وما استقر بقعره من كتل بازلتيه جلبتها الفيضانات وما سقط به نتيجة الثوران الكبير، وتدرج وتكوين جيولوجي مختلف من البداية حتى نهاية ذات الصخر النحاسي الأخضر البراق، وما بينهما من برك متراوحة في العمق والمساحة تَكونت بفعل مساقط المياه وانهيارات الشتاء، فهو وادي الصخر والماء بحق وتحاورهما عبر الزمن.
مع افتقارة للنباتات في قعره نتيجة شدة الفياضنات وجرفها لما فيه، إلا أنها أبت إلا أن تنمو على قمم جنباته، من نخيل بجذوعها الممتدة أما ما مات ففد مال وارتكز على الجانب الآخر أو خوى وتعلق بين الصخور ومن هنا جاء اسمه السياحي المستحدث "وادي النخيل"، ومع هذه السمفونية من ألوان الصخور والنخيل والدفلى تكتمل بأشعة الشمس متخللة الشقوق والنباتات لترتسم هنا وهناك كانها لوحات عجز عنها رامبرنت رائد الضوء والظلال في عصر فن النهضة.
سهولة الوادي تجعلك تتأمل بمكنونات جماله مابين صخور رست معلقة بين جانبيه، تمر تحتها وانت تسمع صوت قدميك وصداه، ومابين تيارات هواء غربية باردة تنعشك وتزيد طاقتك وقت الذروة وما تراه بعينيك، فهو وادٍ عجيب فعلا يحاور كل حواسك، ويتحداك من خلال مقطع وحيد بارتفاع ثلاثة أمتار لاجتيازه، وهنا يأتي تعاون الفريق من خلال إرشادك أين تمسك بيدك وأين تضع قدمك خصوصا انك لا ترى اين تهبط، ومع هذه السهولة التي لا تحتاج الى أدوات خاصة إلا أنه يتوجب عليك الحرص على شرب الماء والعصائر باستمرار لتعويض ما فقدته حتى لو لم تشعر بالعطش بمعدل أربعة ليترات وتناول بعض الفواكة لتجديد الطاقة، ومع هذه السهولة إلا أنه شديد الخطورة في فصل الشتاء لندرة وجود مهارب فيه وضيق مجراه الذي يصل إلى أقل من متر، مما يسبب فيضان قد يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار أو يزيد من ألأمطار المتجمعة من مشارف الشوبك والقادسية.
حتى في حال انعدام وتوقف الأمطار فإنه لا يمكنك تكهن ساعة السيل الهادر والآتي بغضب مفاجئ من مسافات بعيدة حاملاً معة ماء الحياة والكارثة معاً.
قبل انتهاء المسار بكيلو متر واحد تتقاسم بلدتي القريقرة وفينان مياهه بالتساوي بجرها عبر ستتة انابيب بلاستيكية، من النقطة التي تبدأ فيها مشارف آثار عصور ما قبل الحضارة الطاعنة في القدم بالظهور على جنباته، من رجوم وأسوار وسلاسل تعود الى عصور مختلفة لغايات السكن والزرعة وحظائر الحيوانات ضمن مناطق اشتهرت باستخراج النحاس، المعدن الثمين، لينتهي عند بلدة القريقرة بقطع مسافه عشرين كيلومتر خلال سبعة ساعات.