كنا ونحن أطفال نحب أن نجلس في فرن الطابون المصنوع من الطين المتماسك والمضاف له ( التبن أو القَصلْ ) والقصل هو سيقان سنابل القمح المدروسة. ويصنع على شكل نصف كرة على أرض صلبة وبابه من الأعلى على شكل دائريي.ويكون داخل غرفة صغيرة دورها حماية الطابون والنار من الأمطار أو الرياح أو برودة الهواء , لأنه يعتمد على وقود الجمر أو الرماد الساخن والذي يسمى ( الجَلة ) وهو روث البهائم وبالذات الأبقار.
وتكون حجرة الطابون دافئة ولذيذة في فصل الشتاء , حارة جدا في الصيف.
وكنا نتجمع على رائحة شواء الزغاليل أو الدجاج التي تعد للغوالي والأحبة , وكان لنا البيض والبطاطة المشوية في الرماد , وفي حجرة الطابون وحوله يتم تناقل قصص وأخبار وأسرار القرية بين النساء اللواتي ينتظر نضوج الخبز .
والطابون الدافئ شتاءاً يشكل ملاذا طيبا لمن يطرده والده من البيت ( كثيرا ما كانت تحدث هذه الحالة, طرد أحد الأبناء ليلة أو ليلتين ,.
وكان بعض الشباب يجعلون طريقهم من أمام الطوابين ليختلسوا نظرة من صبية حضرت مع أمها بحجة تعلم الخبز , لكنه كان يسمع من بعض النساء العجائز , تلك الكلمة المشهورة أخس ..
ثم تتبعها تفة ( بصقة ) في الهواء .. ويطلق عليه الختيارية
أبو الطوابين
وتكون درجة حرارة فرن الطابون بالشتوية وهي المحببة عالية جدا أما في الصيف فكانت تخلع جلودنا عن أجسادنا وتصل إلى أخر بيوت الحارة مما يدفع النساء للخبز فجرا على البراد .
هذا هو حال فرن طابوننا فما هو حال العالم اليوم وأمريكا ترفع إضافة إلى أرجل سكان العالم ترفع درجات الحرارة وحسب التقرير الصادر في بريطانيا باسم تقرير ستيرن، فأنه إذا ارتفع معدل الحرارة درجتين فإن أربعة بلايين إنسان سيواجهون نقصا بالماء ويتشرد 200 مليون إنسان من ديارهم، ويتعرض 200 مليون للمجاعة ويتعرض 60 مليون للملاريا في أفريقيا وينخفض الحاصل الزراعي بنسبة 35% في الشرق الأوسط وأفريقيا. ويتوقع أن يبلغ الارتفاع ست درجات بنهاية القرن.
فمن المسؤول عن هذا التطور الذي لم تشهد الأرض مثيلا له منذ نشوئها؟ إنها الدول الصناعية في تهالكها على المزيد من الإنتاج والإثراء والاستهلاك والتزبيل.
royaalbassam@yahoo.com