البلد العربي المليء بالمفارقات منذ مئتي عام بدأ بمتصرفية في الجبل للموازنة ، وبحماية دولية ،وأمتد لاحقاً وبحماية دولية أيضاً ليشتبك سهله مع جبله فسمي لبنان الكبير !
لبنان الكبير الذي يعيش اليوم مرحلة من الاستقطاب السياسي الذي امتد خارج حدوده هو بلد للجميع ،وبلد عايش ثلاث مراحل في تاريخه الحديث ،وفي كل مرة أتقن التناغم مع الموجة التي تمر في المنطقة .فلبنان في مرحلة القومية العربية ومد موجها العالي رفع تيار فيه الورقة الوطنية (المارونية) ونظر بعض مؤرخوه لنظرية الفينق المغايرة للواقع العربي مع بدايات القرن الماضي.
ولبنان أيضاً في مرحلة المد الديني ،وأنتهاء مواقيت القومية عبر عن ذاته على شكل صراع أسلامي – مسيحي فأجتاز بذلك القومية والمد الديني ، واليوم وفي مرحلة الأستقطاب المذهبي يعيش لبنان حالة من التشطي بين مسلميه الذين كانوا الى عهد قريب لا يتمايزون كثيراً رغم أفضلية السنة.
في ظل هذا التأمل وظلاله أذكر ما حدثني فيه صديق لي ذات مرة بقوله :إن لكل طائفة في لبنان ثورتها ،ولكل طائفة حسب مقتضى الحال عصرها في لبنان بدءاً من عهد الامير فخر الدين المعني أياام العثمانيين.
واليوم يكاد يكون اللبنان هو المؤشر على حالة التقارب بين عواصم الأقليم، ويصدق فيه قول أحد مؤرخيه :أنه بيت بمنازل كثيرة.
المفارقة في لبنان أن كل قوة صاعدة في المنطقة أو آتية تحاول تأكيد سيطرتها ونفوذها بدءاً منه ولا أظن مر عام على لبنان وأعوامه الكثيرة ورفع سياسيية علم بلدهم لوحده إذ كان على الدوام هناك علم بجانبه ،وكأنها صيرورة وقدر محتوم أن لا يمر عقد عربي دون أن يكون فيه للبنان وإحدى طوائفه حكايته.
ولكن ما يجب الوقوف عنده اليوم في ما يجري على الساحة اللبنانية أن اللعبة السياسية هذه المرة تجاوزت حدوده خشبة مسرح الداخل الى الخارج ، ولم تعد صيغتي والميثاق الوطني ،واتفاق الطائف قادرتين على تلبية احتياجات ومقتضيات المرحلة ، وهذا مكمن خطير فتقسيم المقسم وتجزيته ونجاح ذلك في لبنان كما في دول أخرى في الأقليم يعني استسهال استنساخ التجربة .. فلبنان في وجدان مثقفي العرب ومنظريهم حالة لا تتوقف داخل حدوده ، فألم يستأنس العرب بمصطلح التثاقف للحديث عن نقل الأفكار ، وأليس لبنان مؤهل لنقل التجربة ...تأملات كثيرة في ما يجري اليوم لبنانياً تستحق الوقوف عندها حتى لا ننجز أكثر ب"نوزلنا"!