لبنــان .. لا للانتداب الفرنسي والاستعمار الإيراني
الدكتور فايز أبو حميدان
12-08-2020 11:44 AM
لا يريد اللبنانيون عودة الانتداب الفرنسي الى بلادهم ولكن مطالبة بعضهم بذلك وخاصة بعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب الحالي لم يكن الا تعبيراً عن الحزن والغضب في قلوبهم ، فالشعب اللبناني شعب حر لا يقبل بالانتداب ولا الاستعمار.
ان وصول لبنان الى طريق مسدود ودخوله في مرحلة تلاشى فيها الأمل بل انعدم لدى الشعب اللبناني وفي ظل عدم وجود بصيص نور في نهاية النفق يبشر بإيجاد حلول لتفاقم تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة والتي باتت تعاني منها لبنان على التوالي ، وعدم مقدرة الشعب والقوى السياسية والدول العربية والمجتمع الدولي إنهاء سيطرة حزب الله على سلطة الدولة وتورطه في عمليات إرهابية على مستوى عالمي وتبييض الأموال وتجارة المخدرات وسيطرته على معابر لبنان البرية والبحرية والجوية والاستيلاء على مدخول الدولة من الضرائب والجمارك والتقليل من هيمنة الدولة وبناء دويلة داخل الدولة وتوظيف مقدرات الشعب اللبناني من أجل خدمة المشروع الإقليمي الإيراني وإخراج لبنان من حاضنتها العربية وإجهاد الاقتصاد وتفشي السرقات وسوء الإدارة والفساد للفئة الحاكمة بكافة طوائفها وامتثال كل طائفة لأوامر خارجية فكل هذا دفع بعض اللبنانيين للحنين لفترة الانتداب الفرنسي وكما يقول المثل العربي " لا يدفعك إلى المر إلا الأمر منه" .
ولفهم الوضع في لبنان علينا اجراء جولة في التاريخ المعاصر لهذه الدولة العربية.
يقطن لبنان مواطنون ينتمون الى طوائف متعددة أهمها الطوائف المسيحية والمسلمة من سنة وشيعة ودروز وعلويين واسماعيليين وغيرها وكذلك مهاجرين من الارمن والشيشان والفلسطينيون بعد النكبة 1948 وحرب الأيام الستة 1967 والسوريون نتيجة للحرب الاهلية منذ عام 2011. ويُقدر عدد السكان بين 3.5 الى أربعة مليون نسمة يعيشون داخل لبنان وبين 9-10 مليون في المهجر أي ان اللبنانيون المغتربون يمثلون ضعفي عدد السكان وهذه حالة نادرة في العالم.
لقد زرع الاستعمار الفرنسي الصلة السياسية بين الدول والدين منذ عام 1920 وكانت السيادة السياسة للطوائف المسيحية لأغلبيتهم في تلك الفترة والذي تغير بعد نشوء الكيان الصهيوني عام 1948 وهجرة الفلسطينيون الى لبنان الى جانب الهجرة المستمرة لأبناء الطائفة المسيحية خارج البلاد وارتفاع نسبة الانجاب لدى المسلمين مما أدى عبر السنين الى ازدياد واضح لأعداد المسلمين في لبنان .
وبعد انتقال منظمة التحرير الفلسطينية عام 1970 الى لبنان وانخراط الفلسطينيون واللبنانيون في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ازداد الغموض وانحصر تأثير الدولة وسيطرة الفئة الحاكمة على الأمور وعمت الفوضى وساعدت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سيادة هذا البلد الى جانب تفشي الفساد وانعدام الامكانية لتلبية متطلبات المجتمع اللبناني رغم المساعدات السخية من بعض الدول العربية أدى الى ازدياد الأوضاع سوءاً.
وفي منتصف السبعينات نشأت حركات مسلحة لبنانية وعربية لمقاومة الاحتلال وفي عام 1975 بدأت الحرب الاهلية بين الفصائل الفلسطينية ومن يساندها من القوى اللبنانية وبعض القوى المسيحية والتي استمرت قرابة 15 عاماً وخلالها قامت إسرائيل باحتلال لبنان عام 1982 وإرغام المقاومة الفلسطينية على الانسحاب من لبنان والتي قامت بدورها بتسليم أسلحتها الثقيلة الى القوى الموالية لها وخاصة الشيعية مثل حركة أمل .
وبجهد إيراني تأسس حزب الله في بداية الثمانينات ولم تنتهي الحرب الاهلية الا عام 1989 بتوقيع اتفاقية الطائف والتي كان من اهم أهدافها تقاسم السلطة التشريعية والتنفيذية بين المسيحيين والمسلمين 50:50 والإصلاح السياسي وإعادة توجيه لبنان الى العالم العربي وانسحاب سوريا من لبنان ونزع سلاح المليشيات ما عدا حزب الله كقوة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني والذي غادرته عام 2000 وأصر حزب الله مع ذلك عدم تسليم السلاح بحجة مقاومة الاحتلال وبذلك مارس الحزب انتزاع حق الدولة في اتخاذ قرارات الحرب والسلم وأدخل البلد في صدامات متعددة مع الكيان الصهيوني بأوامر وتعليمات صادرة من طهران وكسب بذلك شعبية عربية لقيامه بإذلال الاحتلال الإسرائيلي في عدة مواقف لا اعي لذكرها هنا .
ولعب رجل الاعمال اللبناني السعودي رفيق الحريري دوراً هاماً في إيجاد اتفاق بين أطراف النزاع ويعتبر مهندس اتفاق الطائف وقام بإشغال منصب رئيس الوزراء مرتين خلال الفترة الواقعة ما بين 1992-2004 حيث قام بإجراء إصلاحات اقتصادية كبيرة وحاول إعادة استقلالية لبنان من سياسة المحاور الإقليمية حتى تم اغتياله عام 2005 ولم يعد سراً تورط سوريا وحزب الله في عملية اغتياله وسلسة من الاغتيالات لرجال السياسة والصحفيين وأصحاب المواقف السياسية المخالفة لحزب الله واستطاع حزب الله فرض أمر واقع وحالة من الرعب لدى جميع الطوائف اللبنانية مدعمة بالسلاح وفرض الرأي وتحجيم القوى الأخرى بل ان قرار تشكيل الحكومة ونوعيتها واعضائها اصبح حكر في يده بما في ذلك رئيس الدولة.
وبسياسة الترهيب وتقاسم أموال الدولة والشعب تم بناء نظام سياسي فاسد ودولة فاشلة مما أدى الى تدمير اقتصاد البلد وهروب المستثمرين وزيادة الأعباء المالية على المواطنين وانعدام المقومات الأساسية للحياة مثل الكهرباء والتخلص من النفايات ونشأت احتجاجات متعددة أهمها حراك السابع عشر من تشرين الأول بعد فرض ضرائب إضافية على الاتصالات وبدأت المطالبة بتحسين الوضع المعيشي والمحافظة على النظام المالي الذي تورط في غسيل الاموال لحزب الله وتطورت المطالبة بإسقاط النظام الى نزع سلاح حزب الله وتدهور سعر الليرة وامتنعت الكثير من الدول وخاصة العربية من دعم لبنان ومساعدته وذلك لسيطرة حزب الله على السلطة والمناورة والتهرب الدائم من الحكومة لإجراء إصلاحات حقيقية ومكافحة الفساد ولبنك النقد الدولي تجربة سيئة في التعامل مع الحكومة اللبنانية .
الشعب اللبناني اكثر الشعوب العربية ثقافة وتعليم وابداع ولديه الإمكانيات الذاتية في النهوض ببلده الى مستوى راقي كما ان المغتربون اللبنانيون يدعمون الاقتصاد بشكل كبير والذي يمر الآن في محنة لم يسبق لها مثيل وبحاجة الى مساعدة من الدول العربية والمجتمع الدولي ولكنه للأسف اسير للطائفية وسياسة المحاور ولكن مساعدته في ظل الظروف الحالية لا تتم الا بمساعدته لنفسه وتغيير النظام السياسي الحالي والتحرر من الإملاءات الخارجية والتوجه بالبلد الى نظام سياسي عصري يكون خدمة المواطن وتطوير البلد اهم اولوياته ويجب النأي بالنفس وعدم التدخل في شؤون الآخرين وتطوير اقتصاده بشكل سليم ومحاربة حيتان المال واستعادة أموال البلد ومكافحة الفقر والابتعاد عن الطائفية وحصر السلاح في يد الجيش اللبناني فقط وتسليم زمام السلطة لفئة من الخبراء في الاقتصاد والسياسة والدبلوماسية والتعامل الصحيح في إعادة بناء البلد بعد الدمار والانهيار الذي أصابه ، وضرورة عودة لبنان الى الحاضنة العربية واجراء انتخابات برلمانية نزيهة ، هذا ويجب على الحكومة الجديدة مباشرة عملها ومواجهة التحديات بصلابة ومنهجية ووضع خطة طوارئ استراتيجية لإنقاذ وانتشال وطنها المنكوب من الهاوية وذلك لتستطيع كسب الثقة ليس من شعبها فحسب بل من العالم بأكمله ، فليالي الشمال وليالي لبنان الحزينة سوف تزول نحن معك يا لبنان يا فيروزة العرب.