لم يسلم مجلس النواب الحالي، وعلى مدار السنوات الأربع الماضية من عمره، من انتقادات الأردنيين الذين رأوا أنه مر دون أن يسجل أي إنجاز باسمه، بل إن غالبية المواطنين يؤمنون بأن هذا المجلس لعب دورا فاعلا في التأثير على حياتهم المعيشية من خلال إقراره قوانين لم تكن في صالحهم، وعلى رأسها قانون ضريبة الدخل.
بالتأكيد كان هناك على الدوام بعض النواب الفاعلين، والذين شكلوا علامة فارقة في مسيرة المجلس، لكنهم كانوا أقلية، ولم يستطيعوا أن يؤثروا كثيرا في قرارات الأغلبية من النواب.
طيلة تلك الفترة لم يتردد كثيرون في توجيه سهام النقد لهؤلاء النواب، سواء في وسائل الإعلام التقليدية، أو على مواقع التواصل الاجتماعي التي يتحلل كتابها في العادة من كثير من الأمور التي يراعيها الكتاب في المؤسسات التقليدية، كالموضوعية والنقد الشخصي والجارح، وأيضا التعهد بعدم انتخاب من لا يرغبون بعودتهم إلى البرلمان، تحت قاعدة أن “المجرب لا يجرب”.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة والتأكيد أن النواب الذين وصلوا إلى قبة البرلمان الحالي أو سابقيه، هم من صنيعة أيدينا، وما كان لهم أن يصلوا لولا آلاف الأصوات من الأردنيين التي صبت في مصلحتهم. الأردنيون ينسون أو يتناسون أنهم السبب الرئيس في أن تكون مخرجات مجلس النواب الثامن عشر بهذا الشكل الرديء، فالاختيار كان اختيارهم، وأسس ومعايير الاختيار كانت واضحة وعنوانها “الأقربون أولى بالمعروف”، فمعيار الصالح والمناسب والمؤهل لم يكن له أي نصيب من أصوات كثير من الأردنيين.
المتابع لما ينشر على مواقع التواصل يجد أن هذه المعايير هي ذاتها، لم تتبدل ولم تتغير، حتى أنها لم تتطور، فـ”ابشر بالفزعة”، هي عنوان صارخ يطلقه اليوم مواطنون عديدون لشحذ الهمم والترويج لابن العائلة، أو العشيرة الكبيرة أو المنطقة. المعايير لم تتغير، ويبدو أنها لن تتغير في القريب العاجل ما دمنا نلجأ إلى العلاقات البدائية الأولى في فرز من سيمثلوننا في البرلمان المقبل، من غير أن نتقي الله في أنفسنا.
اليوم، استطلاعات الرأي والمسوحات تبين أن هناك 97 نائبا من أعضاء البرلمان الحالي، من أصل 130 نائبا، يعتزمون الترشح للانتخابات المقبلة، وفقا لمركز الحياة – راصد. ترى كم سينجح منهم، وكم سيعود إلينا ليجلس “على قلوبنا” أربع سنوات أخرى؟ هذا السؤال موجه إلى ضمير الناخب الأردني الذي يتوجب عليه ألا يخضع للإغراءات التقليدية بـ”الفزعة” أو المال الفاسد، أو أي إغراءات أخرى.
كيف يمكن انتخاب نواب لم يحضروا جلسات، أو أن ننتخب من حضروا، لكنهم لم يتركوا أي أثر نتذكرهم، أو أولئك الذين لم يطرحوا سؤالا واحدا، أو استجوابا للحكومة؟ لم نعيد من لم يقاتل من أجل المواطن، وكان شريكا في هلاكه إلى قبة البرلمان من جديد، ونحن نعلم تماما كيف سيكون أداؤهم، وما هي مساهماتهم في حياتنا؟!.
الوضع السياسي والاقتصادي الأردني اليوم في أصعب حالاته، والتحديات القادمة صعبة للغاية هي الأخرى، وهذا يحتاج إلى رجال حقيقيين، وإلى ثقات ومقاتلين، وليس إلى أشباه نواب لا يقدمون أو يؤخرون.
منذ عودة الحياة الديمقراطية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حذر كثيرون من أن وعي المواطن هو أهم أداة تتحدد من خلالها مخرجات العملية الانتخابية. نتمنى أن تكون تجربتنا للمجلس السابق منحت الأردنيين أنموذجا على خطورة أن يصل إلى القبة أشخاص غير مؤهلين لتمثيلنا، هذا ما نتمناه، وإلا فإننا سندفع ثمن عودتهم على شكل إقرار قوانين ستؤثر على حياتنا كثيرا.
الغد