أسواق النفط والذهب والبورصة في الجائحة
د. دانييلا القرعان
09-08-2020 10:30 PM
أدت المخاوف من تأثير فيروس كورونا الجديد الذي ينتشر ويؤثر بسرعة على الاقتصاد العالمي إلى إنخفاض في أسعار النفط وإرتفاع أسعار الذهب الذين يعدان ملاذين آمنين للمستثمرين، فيما يسعى كثير من المستثمرين إلى الإطلاع على أوبئة سابقة بحثاً عن نماذج قد تساعدهم في قراراتهم.
بورصات تنزف وعملات تخسر والنفط يهتز،فيروس كورونا أثار الذعر وهزَّ قطاعات إقتصادية ومالية وعالمية وسط مخاوف من قبل المستثمرين من زيادة إنتشار الوباء، حيث أصابت تأثيراتها السلبية أسواق النفط والعملات والبورصات والذهب.
"أسعار النفط في ظل كورونا"، لم يشهد يوماً تراجع طلب السوق على النفط إلى هذه الدرجة وبهذه السرعة، وجميع الخبراء والقرارات تقول عن جميع شركات النفط ما يلي: خسرت شركة اكسون موبيل 101 مليار دولار في الربع الثاني من الازمة،وشركة شيفرون أعلنت خسائر ضخمة في الربع الثاني أيضا وقدرت ب 803 مليار دولار،ونلاحظ أن الأفاق الاقتصادية الضعيفة سترغم قطاع الصناعة النفطية على زيادة خفض النفقات،وكان أيضاً الحد من الرحلات الجوية أثر كبير أدى إلى تباطئ تحسن أسعار وقود الطائرات،لذلك نرى أن الظروف الاقتصادية تنعكس سلباً على نتائج شركات النفط؛ بسبب التراجع الكبير للطلب على المنتجات البترولية.
نظراً لعدم وضوح الرؤية للتعافي الإقتصادي والعرض الكبير للنفط والغاز،فإن التوقعات المتعلقة بالأسعار تبقى منخفضة وهذا يؤدي إلى خفض قيمة أصوات الشركات وحفظ النفقات وما يفاقم من إرتفاع نسبة البطالة عالمياً، وحيث أن هذه الشركات تتواجد في معظم دول العالم كمنتج أو مصنع أو بائع،ونستطيع القول لا يمكن التكهن بالآفاق المستقبلية للطاقة،لذا يجب على هذه الشركات الإستعداد لسيناريو سعر نفط منخفض لفترة طويلة،ونلاحظ أن جميع الشركات الكبرى قدّمت صورة سوداوية بشكل عام لقطاع مرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد الفعلي رغم وصول السعر إلى 40 دولار.
إن أكثر القطاعات ربحية لشركات النفط هو "التكرير" إلا أن الطلب الضعيف على تكرير البترول وتسييل الغاز الطبيعي ضعيف بشكل كبير ولا يحقق الأرباح المرجوّه، فالتعافي الإقتصادي ما زال بطيئاً جداً بسبب فيروس كورونا،ونلاحظ أن شروط التعافي الاقتصادي العالمي السريع يعتمد على أمرين لا ثالث لهما،أولا إنتهاء جائحة كورونا من العالم نهائياً وهذا أمر مستحيل في ظل الانتشار السريع، وثانياً إختراع لقاح فعّال يقضي على هذا الفيروس بشكل نهائي وهذا ما تتمناه البشرية جمعاء.
"أداء أسواق النفط والبورصة والذهب في زمن كورونا"،شهدت سوق النفط أداءً ضعيفاً خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، حيث تعرض لضربات مزدوجة من العرض والطلب، الضربة الأولى بسبب إنهيار الطلب بعد دخول أجزاء كبيرة من العالم في حالة إغلاق، والثانية مع تصاعد التوترات بين المنتجين على وجه الخصوص في شهر آذار/ مارس الماضي، بعد رفض روسيا تجديد إتفاق خفض الإنتاج إتفاق أوبك زائد واحد "OPEC+" مما أدى إلى إغلاق الأسواق بالنفط الخام ولم يكن هنالك مكان لتخزين النفط مع جفاف الطلب،ونتيجة العوامل أعلاه تعرضت المنطقة إلى هبوط في أسعار النفط من متوسط 60 دولار للبرميل في بداية عام 2020 إلى أقل من 15 دولار للبرميل في النصف الأول من شهر نسيان 2020، وتتراوح الأسعار حالياً أعلى من 40 دولار للبرميل خلال الأسبوع الذي كان من شهر تموز 2020، ويتوقع لأسعار النفط أن تتراوح بين 40 _ 50 دولار للبرميل مع معدل طلب يومي على النفط يبلغ 996 مليون برميل يوميا بحسب منظمة أوبك.
أما "أسواق البورصة" في الدول العربية فقد شهدت انهياراً بتاريخ 23 آذار/ مارس الماضي لكنها عاودت الصعود مع ضخ مليارات الدولارات من الحكومات والبنوك المركزية لإنعاش الاقتصاد عززّها تخفيف إجراءات الإغلاق،ووفقاً لدراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية في غرب آسيا (إسكوا) بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية خسرت الأسواق المالية العربية الرئيسية 25% من قيمتها في الربع الأول من العام الجاري 2020، وذلك على خلفية تداعيات تفشي وباء كورونا وإجراءات الحد من انتشاره التي عرضت أسواق الأسهم إلى تقلبات غير مسبوقة.
إن تزامن تقلبات أسعار النفط وجائحة كورونا ساهما في إحجام المستثمرين عن الإستثمار في أسواق المال وانخفاض التداول في الأسهم وانحسار تدفقات الإستثمار والسياحة والتحويلات المالية وتدني آفاق النمو،ويتوقع لأسواق الأسهم أن تبقى في حالة عدم يقين نتيجة شحّ السيولة الناجم عن تردد وإحجام المستثمرين المحليين والأجانب الدخول في هذه الأسواق وتفضيلهم الانسحاب من السوق أو الانتظار، ولا شك أن تراجع أسعار النفط ناجم عن تراجع نشاط الشركات وخاصة الصناعية منها؛ بسبب الاغلاقات الناجمة عن جائحة كورونا مما أدى إلى تراجع أسعار أسهم تلك الشركات في البورصات بشكل سريع، وكل ذلك أدى إلى هروب المستثمرين إلى أسواق المعدن الأصفر "الذهب"، فأصبح الملاذ الأخير للمستثمرين وخاصة صناديق الإستثمار.
يعتبر الذهب أقدم أنواع النقود وأكثرها أستقراراً،فقد ارتفع الطلب العالمي على الذهب إلى 1083.8 طن في الربع الأول من العام 2020 بزيادة 1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي،ووفقاً لأحدث تقرير أصدره مجلس الذهب العالمي عن اتجاهات الطلب على الذهب، أما خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 2020 فقد ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفردية حوالي 17% بعد تكالب المستثمرين المذكورين على شراء المعدن الأصفر الذي يعتبر ملاذاً آمناً، وسجل الذهب مستوى قياسياً عند 1980.57 دولار للأوقية في 21 تموز عام 2020 وفقاً لحسابات رويترز، وارتفع الاستهلاك في الربع الثاني بنسبة 17.5 مقارنة مع الربع الأول ليصل إلى 174.66 طن وهو ما يمثل تراجعاً بنسبة 26.2% على اساس سنوي.
"بسبب فيروس كورونا النفط يواصل خسائره ومكاسب كبيرة للذهب"، تكبدت أسعار النفط خسائر كبيرة مع تزايد مخاوف بشأن الأضرار الاقتصادية المحتملة لتفشي فيروس كورونا الذي انتشر من الصين إلى بقية دول العالم وقتل وأصاب الكثير، بالمقابل حقق الذهب أعلى المكاسب.
المعدن الأصفر في أسواق المعادن سجلت أسعار عقود الذهب أكبر مكسب شهري منذ أغسطس/ آب الماضي نتيجة استمرار تفشي وباء كورونا، وبلغت مكاسب الذهب حد كبير،ويعتبر الذهب ملاذاً آمناً للمستثمرين ولا سيما في حالات التوتر وضعف نمو الاقتصاد العالمي.
"الذهب يصعد والنفط يتراجع مع طغيان مخاوف كورونا على آمال اللقاح"، عاود الذهب ارتفاعه فيما أنكسفت أسعار النفط هبوط مع عودة المخاوف من تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا لتطفئ على الآمال بقرب التوصل إلى لقاح.
صعد الذهب في التعاملات الفورية بربع نقطة مئوية إلى 1802.11 دولار للأوقية، وزاد في العقود الأمريكية الآجلة بوتيرة أقل 0.08 بالمئة إلى 1801.55 دولار للأوقية.
كان الذهب الذي يعد ملاذاً آمنا أغلق تعاملات منخفضاً نحو 0.5% مع إفتتاح شهية المستثمرين على المخاطرة تفاؤلاً بقرب التوصل إلى لقاح، في المقابل عاودت أسعار النفط بالهبوط بعدما تلقت دعماً في الجلسة السابقة مع توقعات زيادة الطلب،وحققت أسعار النفط مكاسب بحوالي 2% مع توقعات بارتفاع الطلب انعشتها أنباء اللقاح المضاد ضد هذا الفيروس لكنها انكفأت متراجعة مغلبة مخاوف عدد الإصابات بكورونا ما قد يؤدي إلى إعادة فرض قيود في عدد من الدول على عوامل التفاؤل بزيادة حجم الطلب العالمي على النفط.