استهداف الملكة أم استهداف الملكية؟
ياسر ابوهلاله
09-08-2020 05:28 PM
لا توجد قضية تحظى بإجماع شعبي كقضية نقابة المعلمين، وبعيدا عن أجواءالتصعيد المتبادل، وأنا في موقع الرافض لما تعرضت له النقابة وتتعرض من استهداف ظالم، بشكل يخالف مبادئ الدستور الأردني، ويمس بشكل مباشر بحقوق الإنسان. لا يمكن القبول بالهجوم الذي تتعرض له الملكة رانيا تحت ذريعة التضامن مع المعلمين، ومن يفعل ذلك يضر بسوء نية بقضية المعلمين ويحاول شق الإجماع حولها، بحيث يبدو من يقف معه النقابة، وكأنه يقف ضد الملكة.
ولعل الخطأ الأساسي الذي وقعت فيه النقابة، وبعض النواب الإسلاميين، الهجوم التعسفي على أكاديمية الملكة رانيا. فبدلا من التكامل مع مبادرة الملكة ودعمها، والاستفادة من برامجها شنت حملة مستفزة، لا داعي لها. لقد سمعت من خبراء عرب أثق برأيهم شهادات تشيد بأداء الأكاديمية ومنصات التعليم عن بعد المرتبطة بها، وهذا ما يدعو للفخر بهذا المنجز.
لا حصانة ولا قداسة للإكاديمية، فهي مثل كل المؤسسات تخضع لرقابة الرأي العام ومؤسسات التدقيق المالي، وهذا ما رحبت به الأكاديمية، لكن القصة أبعد من ذلك، وتأتي في سياق تهجم على الملكة واستهداف لها.
على الأردنيين الديموقراطيين أن يوضحوا معالم الطريق للناس، فلا ينزلقوا من مطلب دستوري محق إلى طعن بالملكية من خلال الملكة. وهو ما يشكل طعنا بالدستور.
يقال بصراحة أن ليس للملكة دور في الدستور، وهذا صحيح، والدستور الأردني وحد السلطة التنفيذية بالملك، ولم يشتتها، حتى ولي العهد لا صلاحية له بالدستور، وأيام الملك حسين كان رؤساء الوزراء الأقوياء يعترضون على تدخلات ولي العهد الأمير الحسن، وكان الشريف عبدالحميد شرف يقول " ليس لولي العهد صلاحيات في الدستور، وأنا لا أتنازل عن صلاحياتي الدستورية" .
موقع الملكة في الدستور هو في باب منح الألقاب، لكن مثل كل دول العالم حتى الجمهورية منها فإن السيدة الأولى مهمة لأنها الإنسان الأقرب للحاكم، ويظل لها دور بحكم قربها. وفي التاريخ السياسي الأردني ظل للملكات دور أساسي، وكان ذلك من علامات حداثة الدولة وعصريتها.
مبكرا ظهر حضور الملكة زين الشرف، ولعبت مع شقيقها الشريف جميل بن ناصر دورا في تأهيل الملك حسين وتثبيت أركان عرشه في ظل الرياح التي عصفت في البلاد في عقد الخمسينيات، وكل من عرفها يشيد بثقافتها العالية، ويروي من عملوا معها أن الكتاب كان رفيقها في حلها وترحالها. وشخصيتها الحكيمة كان لها دور حاسم في فترة مرض الملك طلال، والوصاية على العرش، وعند تولي الملك الحسين الحكم وهو ابن 17 عاما. ومما يروى عنها أنها شاهدت على شاشة التلفزيون الأردني ولي العهد السابق الأمير الحسن بن طلال يرعى مؤتمرا عن المقريزي ، فاتصلت بمدير التلفزيون محمد كمال وقتها، وقالت له من هذا المقريزي ؟ فقال له المؤرخ المشهور وأنت تعرفين اهتمامات سيدي حسن الثقافية،فردت عليه سيدي حسن ولي عهد، وليس أستاذا للتاريخ، تقدمه للمشاهد الأردني عندما يزور مجلس الوزراء أو القيادة العامة. يفاخر الأردنيون بالملكة زين الشرف التي قدمت نموذجا متقدما عربيا.
وفي الثمانينات برز دور الملكة نور ، وبشكل مؤسسي من خلال مؤسسة نور الحسين. ولم تكن تسلم من الانتقادات، ويوما كما يروي من عملوا في القصر طلبت عقد اجتماع في قصر الندوة، فرفض رئيس التشريفات وقال لها " هذا قصر سيدنا" فقالت له " أنا زوجة سيدنا " رد عليها " عملك تنجبي أطفالا لسيدنا" وعقدت الاجتماع في قصرها.
وفي عهد الملك عبدالله، كان من الطبيعي أن يبرز دور الملكة رانيا.خصوصا إنها كانت ناشطة مذ كانت أميرة في مؤسسة نهر الأردن. وما تقوم به يحتمل النقد والنقاش، فحتى الملك بحسب الدستور أوامره الشفوية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم. المؤسسات التي توجهها الملكة وترعاها خاضعة للنقد والتقويم، ومن غير المقبول تحصينها تماما كما إنه من غير المقبول استهدافها.
ما هو أسوأ من التهجم على أكاديمية الملكة رانيا هو الرائحة العنصرية التي تفوح من المتهجمين على الملكة بسبب أصولها الفلسطينية. فالعنصرية مرفوضة من حيث المبدأ، وأصول الملكة الفلسطينية تسهم في اللحمة الوطنية، تماما كما يحرص ملوك المغرب على الاقتران بزوجات من أصول أمازيغية لتمتين العلاقة بين أبناء المجتمع من عرب وأمازيغ.
الهوية الأردنية من أكثر الهويات الوطنية تنوعا وثراء، وهي هوية مفتوحة مركبة وليست مغلقة، وحدة الضفتين عام 1950 حقيقة تاريخية أنتجت نسيجا لم يمزقه قرار فك الارتباط عام 1988. ذلك القرار فصل الضفة الغربية ومن يقيم عليها لتكون نواة الدولة الفلسطينية وفق قرار 242، ولم يمس أبدا من يقيم خارجها من الفلسطينيين سواء في الأردن أم خارجه.
تمتين الوحدة الوطنية والحفاظ عليها شرط لبقاء البلاد، واستهداف الملكة لأصولها من جمهور كرة قدم أو مسيرة مؤيدة لنقابة المعلمين يسيء للوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي قبل أن يسيء لملكة. ولا يخدم أبدا قضية نقابة المعلمين.
بعيدا عن قضية نقابة المعلمين فإن استهداف الملكة، هو في جوهره استهداف للملكية والدستور الأردني. مهما أخطأت الدولة يظل الحفاظ على الدستورواحترامه والالتزام به أساس الاستقرار الذي لا يكون الأصلاح بدونه. معركة الإصلاح في الإردن معركة مصيرية وشرط لبقاء الأردن، لكن مثل أي معركة لا تترك للغوغاء يقودون الدفة.
يحلق الدستور الأردني بجناحين " نظام الحكم نيابي ملكي" والمس بأي منهما مرفوض.