عندما فشلت محاولاتي في الدخول على حسابي في " الفيس بوك" حسبت أنه تعرض للسرقة، ليتبين أن المصيبة أهون، إذ ألغت إدارة الموقع حسابي من دون سابق إنذار ومن دون مسوّغ. وقد ترك القرار مرارة، لأن الحساب الافتراضي يشبه المكان الحقيقي فيه تتعارف على أشخاص وأفكار تختلف وتتفق معهم، وترى الكون من زوايا غير مسبوقة.
في استطلاع أجري العام الماضي تبين أن نسبة من لهم حساب على الموقع تصل إلى تسعة في المائة من مستخدمي الشبكة في الأردن. والراجح أن النسبة تضاعفت مع الوقت. وقد بلغ عدد أصدقائي على الحساب المأسوف عليه خمسة آلاف وهو الحد الأقصى، وقد بدأت بحذف أسماء غير فاعلة حتى أتيح المجال للزيادة. في المحصلة كان صرحا من خيال فهوى، وشرعت بصرح جديد على الموقع اللعين!
مع ازدياد عدد مستخدمي شبكة الإنترنت وانتشارها لأسباب تقنية واقتصادية واجتماعية صارت لكل منا حياة افتراضية موازية. تفنى ويبقى أو يفنى وتبقى، وعلى إلكترونيتها تفيض بالمشاعر وتزخر بالأفكار، وفي الغضون ثمة الكثير من الوهم والكذب والسراب.
لا يشكل الإعلام الجديد بديلا للإعلام التقليدي بقدر ما يكمله ويرفده ويطوره. فالتدوين بالكلمة والصوت والصورة والمنتديات والفيس بوك وغير ذلك شكلت فضاء فرديا بلا حدود، لكنه لا يمتلك صدقية وتأثير وانتشار الإعلام التقليدي، وعلى ما تعرضت له الصحف من هزات باعتبارها الضحية الأولى للإعلام الجديد إلا أنها ما تزال صامدة، وبدأت بالتكيف والتبادل معه، فتجد التعليقات أقرب للمنتديات، وانفتحت الصحف على التدوين وعلى الفيس بوك والتويتر وغيرها.
لم تلغ أي وسيلة إعلام بسبب إعلام جديد، حتى المخطوط ما يزال له سحره، فالمطبعة لم تلغ القلم والمذياع لم يلغها والمرئي لم يلغ المسموع. يفتح الجديد آفاقا جديدة ولا يضيق بما سبقه. في ظل التطور التقني المتسارع يتوقع ان تتسع إشارة الهاتف والنت للصورة التلفزيونية بحجمها الطبيعي.
يمكن هنا تذكر العائلة والجيران مجتمعين على شاشة الأبيض والأسود لمشاهدة قناة محلية يتيمة، سيكون بمقدور كل واحد على شاشة هاتفه وحاسوبه وتلفزيونه (كلها في جهاز واحد) مشاهدة وتسجيل واختيار عدد غير نهائي من المحطات ترفيها وأخبارا وتجارة و..
قلّ استخدام ورق الصحف، وسيتطور استخدام الشاشات، وستتجمع العوائل والأصدقاء لمشاهدة شاشة ذات أبعاد ثلاثية بدلا من تجمع الآباء على شاشة الأبيض والأسود. وسيتوسع مفهوم الصداقة، سيشارك أصدقاء افتراضيون! ومن قال إن صرحهم من خيال وحدهم، في الأشخاص الحقيقيين يهوي صرح الصداقة أيضا ويُبكى على أطلاله.
yaser.hilala@alghad.jo
الغد