مـن يجرؤ على إصلاح الإدارة
المحامي عبدالرؤوف التل
09-08-2020 03:01 PM
من يتابع ما تتناوله وسائل الإعلام المختلفة، من أحاديث وخطب وتصريحات لبعض المسؤولين السابقين في الأردن، عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعن قانون الانتخابات، وقانون الأحزاب، وكثرة حديثهم عن ذلك، الذي يتناثر على صفحات الصحف، وعلى شاشات التلفاز، لكن الإصلاح الأهم، وهو إصلاح الإدارة، المسكوت عنه علماً أن الإدارة هي أساس الدولة الحديثة، والقيادة الإدارية هي التي تشرف على الوزارات والمؤسسات العامة، ذات الاختصاصات المتنوعة التي تهدف إلى تحقيق أهداف الدولة بتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وسهولة الحصول عليها، وتخفيض الكلف المالية لهذه الخدمات.
أجل ... إن الخلل الكبير، والفساد العظيم الذي أصاب الإدارة في بلدنا، جعل من بعض المسؤولين السابقين الذين جعلوا الإدارة تخرج عن أهدافها، ويصيبها الفساد، أصبحوا الآن لا يجرؤون الحديث عن إصلاح الإدارة، لأن ممارساتهم الخاطئة، ومحاباتهم جعلت الفساد الإداري، ظاهرة للعيان، ولدت لدى الشعب حالة من السخط العام، والاحتقانات النفسية الغاضبة، التي لا يعلم إلا الله متى تنفجر، توجب على من يعنيه مستقبل الأردن، أن يبذل جهد طاقته لإصلاح الإدارة، في كل المرافق ومؤسسات الدولة، لأن القائد الإداري الناجح هو الذي يجعل من قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عندما قال للأشتر النخض حينما ولاه على مصر متحدثاً إلى الرعية “وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم والألفة إليهم ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغنم أكلهم فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق” ، في هذه الأيام النكدة يشعر من تمنح له القيادة أن من يقودهم عبيد واقنان له، وإن كل المؤسسات العامة أو المرافق العامة الذي كلف بإدارته يجب أن ينتفع به إلى أقصى غايات الانتفاع، لذلك هو لا يهمه نجاح المؤسسة أو المرفق حقق الغرض الذي من أجله وجد أو لم يتحقق، ما دام هو المنتفع والمستفيد منه، اما المصلحة العامة وتقديم خدمات للمواطنين ليس في وارد من عين في الموقع الإداري لأن ينتفع من هذا الموقع، وكأن مؤسسات الدولة ومرافقها وجدت من أجل أن ينتفع منها الطحالب، ويتغذى من دم المواطنين البق والقراد، المدعومين من أصحاب القرار من مسؤولين.
لا أريد أن أقول الفساد، ولكن تراجع الإدارة في القيام بالدور المناط بها جعل كل مؤسسات الدولة تسيطر عليها العشوائية، وانعدام الرؤية، وغياب الهدف، من ذلك ما أصاب المدرسة في الأردن من خلل في الإدارة جعلها لا تستطيع السيطرة على الطلبة والطالبات، بل إن المدرس لم يعد كما كان في الماضي صاحب رسالة في تقديم العلم والمعرفة للطلبة، وإن من واجبه تربية الجيل التربية الرشيدة التي تجعل الطالب يشعر أنه إنسان له قيمة في ذاته، وأن عليه دور في صناعة المستقبل عن طريق العلم والتربية أن الواجب يحتم عليه أن يكون عنصر خير وحق في المجتمع هذا الأمر أصبح من الماضي، فإدارة المدرسة أصبحت عاجزة عن القيام بدورها ، ودليل ذلك ضعف التحصيل العلمي لدى من يحصل على شهادة الثانوية العامة فهو أشبه بالأمي، وهذا الأمر ينطبق على الجامعة التي أصبحت حاضنة للعنف والانحلال الأخلاقي وعدم تقدير المسؤولية، وكأن مهمة المدرسة والجامعة تنمية الجهل والعبث لا تنمية العلم والمعرفة.
والمدرسة هي المؤسسة الأولى التي يجب أن يرتفع الصوت لإصلاحها وإصلاح إدارتها حتى تقوم بواجبها ويستطيع المدير وهيئة التدريس القيام بواجبهم العلمي والتربوي وإصلاح المدرسة واجب ولكن لا يجرؤ أحد على المطالبة بذلك من أصحاب القرار السابقين واللاحقين لأن تراجع المدرسة، ولا أريد أقول فسادها يعود إلى فترات ماضية كانوا هم أصحاب القرار، وكأن ما يحدث في المدارس لا يعنيهم.
من المرافق العامة التي تراجعت إلى الخلف درجات عديدة مرفق الصحة، ومظهر ذلك الاعتداءات المتتالية على المستشفيات والمراكز الصحية والعاملين فيها، لأن المستشفى العام فقد الإدارة اللازمة لاستيعاب الكم الهائل من المرضى، ولأن المستشفى أيضاً تفتقر إلى الأسرة اللازمة والأدوية اللازمة، إلى مختلف الأدوات التي لا بد منها في كل مستشفى إذا وجدت، فالجهل في آلية التعامل معها واستعمالها، متوفر، لأن الطبيب قد لا يكون مختصاً، والممرضين يفتقدون لمعرفة أصول التمريض الأمر الذي يجعل المواطن يفقد الثقة في إدارة المستشفى، وبالتالي يستعمل يده للضرب أو التخريب لما تطوله يده وهذه حقيقة لا أحد ينكرها.
أما الحديث عن الفوضى العارمة في الشارع الأردني في المدينة والقرية، وعلى الطرق العامة الرئيسية فحدث عنها ولا حرج ، لا أحد يهتم بقوانين السير واحترام السائق الاخر، ولا أحد يهتم بخط السير مُنح له.
النظام لا قيمة له، أولوية المرور لا احد يتقيد بها، الشارع مضطرب وفلتان الأمن حقيقة أكبر من أن ينكرها أحد، العنف في كل مكان، المدرسة، الجامعة، في المسجد، في المدينة في القرية، في أماكن الترفيه، فوضى عارمة والإدارة لا وجود لها ولا قيمة ولا تريد أن تقوم بالدور المناط إليها لتحقيق أهداف الدولة في الأمن والأمان وتحقيق التنمية التي ينتفع بمكتسباتها كل أبناء الوطن.
المواطن يريد الإصلاح لكل مؤسسات ومرافق الدولة لأنه هو المستفيد من ذلك، لكن من بيدهم إدارة هذه المؤسسات والمرافق ليس من مصلحتهم الإصلاح، لأنهم وجدوا في هذه المرافق تنفيعة لهم، وإصلاحها يعني أن يتسلم المسؤولية أصحاب الخبرة والخلق والانتماء الحقيقي للوطن والمواطن.
إذن إصلاح الإدارة ووضع الرجل المناسب صاحب الخبرة والعلم والدراية يجب أن يكون هو القائد الإداري، أما من وجدوا على رأس هذه المؤسسات والمرافق ، فلا يعنيهم صلاحها أو خرابها المهم أن تتحقق لهم ولذويهم المنفعة المالية وجاه المسؤولية للحديث عن أتمنى لو أن بعض المسؤولين السابقين الذين أصبحوا يتحدثون عن الإصلاح أن يملكوا الجرأة للحديث عن إصلاح الإدارة، بدلاً أن يكرروا أنفسهم في الحديث عن الإصلاح السياسي والاقتصادي وقوانين الانتخابات وقانون الأحزاب.
إصلاح الإدارة بها يتحقق كل أنواع الإصلاح، وفساد الإدارة يجعل مؤسسات الدولة تفقد المناعة من القيام بواجبها ، فإذا لم يتحقق الإصلاح الإداري، فإن المنتفعين من الفساد، سيحولون كل مؤسسات ومرافق الدولة إلى مزارع خاصة لهم لذلك فإن الشجاع هو الذي يملك الجرأة للمطالبة بإصلاح الإدارة أولاً.