كورونا ببن الوهم والواقع والحقيقة
فيصل تايه
09-08-2020 02:49 PM
انتقد وزير الدولة لشؤون الاعلام أمجد العضايلة مساء السبت ، تشكيك البعض بخطورة فيروس كورونا الذي يعصف بدول العالم ، وقال العضايلة في تغريدة له عبر تويتر: " محزن أن يصل الأمر بالبعض حدّ التشكيك بخطورة كورونا الذي يفتك بالأرواح عالمياً، جائحة مستمرة وموجاتها تتجدد". وباء أصاب للآن أكثر من ١٩ مليون وقتل أكثر من ٧٠٠ ألف إنسان عالمياً ، الاِدعاء بإمكانية افتعال وتطويع الإصابات أمر غير مسؤول ومثير للسخرية .
بالفعل فما جاء في تغريدة الوزير العضايلة نسمعه يوميا على لسان الكثيرين غير الآبهين بخطورة هذا المرض الفتاك حيث أصبح هذا التشكيك الأكثر إلحاحا لتجنب مظاهر الخوف من انتشار المرض ، وحرص الناس على التقارب الاجتماعي ، والبعض يضع في التجارب الزائفة لبعض الدول مثالا حيا على عدم حقيقة وجود المرض.
ما يحدث في ثقافة البعض هو انكار المرض ، ومحاولة التشكيك بوجوده ، لذا كانت الاستهانة بالإجراءات الوقائية على أشدّها في الفترة الاخيرة لاسيما عند اصحاب العقول التشكيكية ، بالتمرد على التعليمات وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي في هذه المرحلة الحرجة بحجة الشكّ بالجائحة، وطلبهم الدليل يمثل شكاً سلبياً لا يغير شيئاً بقدر ما يوفر التبرير اللازم لممارسة أفعالٍ قد تؤدي إلى إهلاك النفس والآخرين .
لقد كانت أهم الأدلة على وجود المرض ما شاهدناه في اللحظات الأولى لانتشار الفيروس في الصين من صور وفيديوهات جعلتنا نعيش رعبا حقيقيا، صور لأشخاص يتساقطون وهم وقوف، وأشخاص يرتجفون حتى الموت، وجثث في كل مكان، وظلت الصين في البدايات تنفي وجود ما يقلق، لكن هذه الصور التي رأيناها بأبصارنا جعلتنا نقرّ بوجود المرض، ثم عادت السلطات في الصين إلى الاعتراف به، وبدأ الانتشار السريع له خارج الصين، ورأينا كيف تغلق الدول حدودها وتوقف طيرانها وتغلق الاقتصاد بصورة لم تشهدها حواسنا ولا خبراتنا من قبل، وكان هذا تحديا هائلا للعقل الإنساني، ومع سرعة استجابة الحكومات ظهرت ادعاءات بأن كل هذا غير حقيقي، وظهرت ما يسمى بنظرية المؤامرة خلف الموضوع ، وشكك الكثيرون بما كان ويكون ، وما وقع فيه العالم مما اسموه خديعة في بدايات الأزمة ، واعتبروا ان الصور التي شاهدناها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تم التلاعب بها، فلا مرضى يترجفون حتى الموت في الشوارع ، ولا موتى يتم رميهم من الشاحنات، وبالطبع فإن الأثر النفسي لذلك ينتقل معنا كلما تطورت الأزمة وشاهدنا ما لم ندركه بحواسنا من قبل ، ما يفقدنا الثقة بكل ما يردنا من المعلومات حتى لو كانت هذه صحيحة في حينها، وهذا يؤثر في قراراتنا من خلال عبثها بالعقل الباطن، ويجعل البعض يتجاهل الاحترازات والتوصيات الطبية، ويقرر خوض التجربة بنفسه.
لكن الواقع الذي لا يمكن نكرانه ان البشرية جمعاء تتعرض لمثل هذا التحدي ما يؤكد خطورة المرض وخطورة التجمعات وأهمية التباعد ، وضرورة حماية الصحة العامة والاقتصاد ، والنظرية هنا تقول إن احتمال الإصابة يرتفع كلما زاد تعرض الإنسان للتجمعات وتقارب جسديا مع غيره، وهناك مصادر لا تحصى تقدم الشك فقط دون أدلة منطقية أو مصادر موثوقة معتبرة محكمة، هذه المصادر المشبوهة تزين لنا فكرة خوض التجربة لنكتشف حقيقة كورونا، فهل إثبات وجود كورونا من خلال التجربة الذاتية يستحق منا المخاطر التي نواجهها؟
اعتقد ان المهمة الرئيسة لجميع من سمع وأدرك هذا الوباء المتنقل أخذ الحيطة والحذر ، والأخذ بالأسباب ، وأن ينظر كيف ينجو من الوباء وليس من مسؤولياته الكشف عن الحقيقة! أو مسببات الوباء فهناك من هم فعلًا ينظرون إليه، ولكن وإن كان هناك فضول في معرفة ذلك فلا مانع أن يكون بعد انتهاء هذه الأزمة العالمية ، ويجب الأخد بالأسباب ومحاولة النجاة من هذا الوباء، وبعدها سوف يكون من الممتع تبادل الأحاديث ووجهات النظر حول المسببات .
الحكومة الاردنية قدمت كل ما لديها حماية لمواطنيها ، وقد فعلت كل ذلك وتحملت الميزانية أكثر بكثير من طاقتها لتعزيز الصحة من أجل حماية الناس وذويهم من الموت القابع في الشارع وبين الزحام، ووزارة الصحة تقدم الدراسات الموثوقة والمحكمة من جانبها، وتؤكد لك خطورة المرض، وهناك في وسائل التواصل الاجتماعي يقبع الشك الزائف والادعاءات الباطلة دون دليل، فهل من العقل والحكمة والعلم أن نتخلى عن مصدرنا الموثوق ونذهب خلف الشك والوهم ونلقي بكل التعليمات الصحية جانبا لنخوض تجربة الموت والألم؟ المرض حقيقة لا شك فيها، فلا داعي أبدا لخوض التجربة وتلقي بنفسك في خضم التجمعات الناقلة للمرض حتما.
اننا على ثقه كاملة بأجهزة الدولة التي تقاوم وباء جائحة كورونا وتداعياته، وبالقائمين عليها والمتطوعين بها ، ونفخر ونتشرف بجهودهم المخلصة التي نالت إعجاب العالم، ونستغرب التشكيك بالجهود وبالقائمين عليها، ونتقبل النقد للقصور هنا وهناك ان وجد فهو عمل محمود وينبه للخلل الذي يقع مع كل جهد بشري .