مسارات: قصر أصخيم والمصائد التاريخية المحيرة للعالم
عبدالرحيم العرجان
08-08-2020 11:00 AM
بعد منتصف الليل بقليل توجهنا من عمان إلى الأزرق على أن نصل مع الفجر نقطة الإنطلاق من قصر أصخيم أو أسيخم حسب لكنة الأهالي هناك من أبناء معروف وشيشان وعرب، بمسارإستكشافي لمنطقة الحرة ذات الحجارة البازلتية، دون وجود أي إستراحة مظللة إطلاقاً، ضمن منطقة غير مرسمة بدروب رعي أو طرق ترابية لخدمة أهالي البادية، فهي مجهولة نسبياً وفيها من التاريخ المحير والجمال الطبيعي الاخاذ الذي شوقنا ليكون وجهتنا، المشي أستمر لما بعد غروب الشمس بساعتين بمسافة تجاوزت الثلاثين كيلومتر.
من على أسوار القصر النبطي الأصل كان للشروق وقع خاص في بادية مغطاة بحجارة الحرة البركانية إلى مالا نهاية، بخيوط ذهبية غيرت أرض السواد إلى لألىء، جعلت الجميع يتأمل بصمت حتى أرتفعت الشمس من على فوق الأفق البعيد، جلنا بالمكان بإستحداثة الروماني ومافيه من عقود وأقواس تهدم ما حولها من أسوار التي بقيت شاهدة على تاريخ ألفي عام من فوق مرتفع يشرف على طريق التجارة مع الجزيرة العربية وما كان فيها من ممالك في تيماء ونجد والحجاز إلى البحرين واليمن وعُمان وتفرعاته نحو قلعة أيبك بوسط مدينة الأزرق إلى قصري عمرة والحرانة الأمويين والطريق الممتد إلى الشمال بإتجاه شجرة البقعاوية على درب دمشق التي أستضل رسول الله عليه السلام تحتها حسب الرواية في طريقه إلى بلاد الشام، التي كانت غاية إنتهاء يومنا لولا مداهمة الظلام والدوران حول قاع ماء عظيم.
بعد هذه الجرعة الروحانية إتجهنا لنكتشف ضالتنا التي تداولها الإعلام الدولي و وسائل التواصل الإجتماعي بحيرة كبيرة عن غايتها ولماذا هيا في وسط هذه الفيافي من السواد بين قيعان وغدران ماء الشتاء، بخطوط وتشكيلات ومساحات مختلفة بدوائر و نجوم هندسية ولولبية كأنها رسم أتي من عالم أخر، وتفردها بمنطقة الحرة مابين الأردن وشمال المملكة العربية السعودية وسوريا ضمن حوض الحماد العذب، فرسمنا مسارنا ليمر على عدد منها وحددنا بثمانية وثلاثين نقطة عبر جوجل إيرث برو، في حين فسرتها عدد من المصادر العلمية أنها مصائد حيوانية تعود إلى ما يزيد عن خمسة الاف عام، كان الإنسان يطارد فريستة من غزال الريم والمها عربي ليجبرها على الدخول مابين الجدرالمتخذة الشكل القمعي بإمتداد قد تصل إلى خمسة كيلو مترات، ولحشرها في نهايه التشكيل، لتقع في متاهة يصعب فرارها منها، فينقض عليها بأدواته الحجرية الراضة ورماح القاطعة.
من مشاهداتنا لهذه المواقع على أرض الواقع وجدنا أن بعضها مغلق كلياً ومقسم إلى أجزاء كأنها مساكن ومستعمرات بشرية، بارتفعات متفاوتة تصل إلى متر ونصف وسماكات مختلفة، ومن هذا المنظور فهي ليست فقط للصيد لا وبل للسكن، لقربها أيضاً من مصادر المياه، وقد تكون بعضها زرائب لما استأنسة الإنسان من حيوانات بذلك الوقت، وعلل عدد من العلماء أن هذه الدوائر المغلقة قد تكون ذو علاقة بمعتقدات دينية تعود للعصري البرونزي والنحاسي.
من معوقات هذا المسار أن المشي كان على حجارة بازلتية ذات أصل بركاني صماء حادة غير ثابتة في الأرض، الأمر الذي يتوجب عليك دوام التيقظ والحذر خشية التعثر وخطورة الإصابة عند السقوط على الأرض، ولتفادية يتطلب منك إرتداء حذاء يغطي الكاحل و الإرتكاز على عصي المسير، وتوالي خطواتك بخطوات زميلك الذي يسير أمامك حسب توجيهات قائد المجموعة، وإزداد الأمر صعوبة عندما خيم الظلام والاعتماد على مصباح الراس، ومع هذا العناء إلا أن نشوة الإكتشاف والتعرف تزيل التعب وتزيد الإصرار على العودة لإكتشاف المجهول، وللطبيعة السمراء كان لها جمالها، فغدران الماء والقيعان مصدر حياة أخر ويتجدد من عام إلى عام وبمساحات إمتدت على مراه النظر، فهيا موطن للطيور المحلية والدولية لتوسطها القارات الثلاث في طريق الهجرة أو فترة التزاوج، والتي على أثرها أصبحت منطقة الأزرق محمية طبيعية مصانة حسب معاهدة رامسار، فيما أكتشف ضمن محيطها أقدم هيكل عظمي بشري في تاريخ المملكة ويعود إلى 22500 عام أي العصر الحجري الوسيط المبكر.
وعليها فإن هذا المسار قد يكون نقطة جذب جديدة في عالم السياحة لدمجه مابين السياحية الجيولوجية والطبيعية والتاريخية والدينية، وأزلية باديتنا وإرتباطها ببدايات الوجود البشري على وجه الأرض