سلسلة من الأحداث والجرائم المفزعة أفسدت علينا فرحة العيد: ما يزيد على ألف حالة تسمم ووفاتين من الأبرياء، مواطن يقتل شقيقاته الثلاثة، آخر يقتل شقيقه وحدث يقتل وافدا، ثمانيني يدهس دورية شرطة ويودي بحياة ملازم واصابتين خطيرتين، وفاة طفلين في حادث تدهور مركبة واربع وفيات وإصابات في حادث تدهور بالحسا، زوجة تطعن زوجها والعثور على جثة شاب أسفل جسر. بعض هذه الأحداث قضاء وقدر متوقعة مع كبر حجم المجتمع وتعقده، لكن غالبها استهتار وعنف مجتمعي وغياب رقابة، ومن حق الأردنيين ان يتساءلوا عن أسبابها، وما علاقة ذلك بغياب أو تراجع الرقابة أو تبادل التلاوم والهروب من المسؤولية، ام ان هذه الظواهر أصبحت سمات مجتمعية ومؤسسية تحتاج لجراحة عميقة تعالج جوهر الخلل وتوقفه.
الاعتقاد السائد عند الخبراء والمطلعين ان غياب الرقابة تعتبر سببا مباشرا لبعض هذه الأنواع من الجرائم، لكن المنطق يقول إنه لا يمكن بحال من الأحوال فرض الرقابة على كل حالة عنف أسري أو تهور قيادي للمركبة أو أن نضع رقيبا على كل مطعم لنضمن سلامة غذائنا. المسألة ترتبط بحس المسؤولية في المجتمع والرغبة في التنمر على القانون، والاعتقاد لدى بعضهم بسهولة الافلات من العقاب. انتشار الحديث عن الفساد والتجاوزات، والاعتقاد بسواد الواسطة والمحسوبية تزين لضعاف النفوس التنمر والتجاوز على القانون على اعتبار أن الدنيا خربانة فلماذا لا ينضمون لغالبية المتجاوزين على القانون والمفلتين من العقاب. هذه خطورة استمرار الضخ ان الدنيا منهارة وان لا سلطان للقانون وان الفساد قد عم وساد. أصحاب الحناجر والأقلام المسمومة الذين يبثون أفكارا سودا وطغيان التجاوز على القانون يؤذون مجتمعهم من حيث لا يعلمون فيصبح التجاوز فهلوة وشطارة وممارسة مقبولة بدل أن تكون جريمة يعاقب عليها ويردعها القانون.
وثمة سبب آخر لبعض هذه الجرائم يتمثل بغياب إجراءات الردع الزاجرة والمخيفة لكل من يتجاوز على القانون. كثيرون يعتقدون أن المجرمين في قضية الشاورما سيعودون لممارسة عملهم قريبا بعد ان يقضون مدة حكمهم أو دفع الغرامات المترتبة على تجاوزاتهم لان العقوبتين غير رادعتين. تذكرون ظاهرة سرقة السيارات التي انتشرت وكان يمارسها مختصون غير آبهين بالعقوبات لانها ليست رادعة؟ لم تتوقف هذه الظاهرة إلا بعد ان تم تعديل القانون بتغليظ العقوبات على هذه الجريمة فأصبحت العقوبة رادعة وضعت حدا لهذه الظاهرة. عقوباتنا في حالات الجرائم التي تمت بالعيد وعلى رأسها تسمم الشاورما غير رادعة، ولا تفي بغرض إخافة ووقف المتجاوزين على القانون، لهذا فهم لا يأبهون بالجريمة ولا بالعقوبة المترتبة عليها.
محزن ان تلوث صورة بلدنا بسبب هذه الأحداث والجرائم التي وقعت في وقت ينظر العالم للأردن بإعجاب بسبب تعامله مع أزمة كورونا، وفي وقت نفأخر فيه بصناعاتنا الغذائية وحرصنا على صحة وسلامة الأردنيين، وفي وقت سجل فيه الأردنيون قصة نجاح بالالتزام والحضارية بالتعامل مع الأزمات.
(الغد)