الجدل الذي يدخل فيه الناس هذه الايام حول ما هو وطني وغير وطني يبعث على الدهشة ويثير الاستغراب. فقد نصب بعضهم انفسهم حكماء وفلاسفة وحراسا على القيم والنيات واصبحوا يمارسون لعبة التصنيف والاتهام والتخوين لكل من لا يتفق معهم او لا يظهر المستوى الذي يرغبون به من الحماس والتخوف والتهويل.
حالة الاستقطاب التي تبدو ملامحها على السطح ليست جديدة لكن ابطالها يتبدلون من وقت لاخر وفقا للمصالح والامتيازات والمطالب.في كل مرة تثار فيها قضية عامة او مطلبية يتوقع بعضهم ان ينقسم المجتمع الى مناصرين ومعارضين ويغيب عن بال الجميع التفكير بان هناك دستورا وقوانين وقضاء ينبغي الاحتكام له.
صفارات الاتهام والتخوين والنقد والزج لمفاهيم الولاء والانتماء وحب الوطن والمؤامرة تنطلق من زوايا عديدة وتجري تغذيتها من بعض الاشخاص والجماعات التي ترى في مثل هذه المناسبات فرصا لاظهار تميزها وتفريغ غضبها وانزعاجها نيابة عن الوطن باعتبارها هي المتكفلة بحمايته دون غيرها.
في دولة المؤسسات والقانون لا توجد ميليشيات من اي صنف فالناس متساوون في الحقوق والواجبات والمزاودات لا تخدم النظام والاستقرار. الاستجابة للمخالفات والخروج على القوانين منوطة بمؤسسات تنفق عليها الدولة من الموازنات العامة وهي التي تحتكر استخدام القوة وانفاذ القوانين. حرص بعضهم على تحويل المطالبات الحقوقية ومظاهر التعبير التي كفلها الدستور الى ما يشبه المشاجرات العشائرية التي تحتاج الى اشتباك وحجازين فكرة بدائية لا تتماشى مع افكار العدالة والحق والحرية ولا مع مبدأ سيادة القانون.
لا اعرف كيف تولد الشعور لدى بعضهم بانهم مواطنون من الدرجة الاولى وان غيرهم لا يرقى لمستوى انتمائهم ولا ارى اي مبرر لان يتدخل احد في عمل المؤسسات وهي تؤدي ادوارها فالتدخل مهما كان ينتقص من سيادة القانون ويعطي لبعضهم حقوقا وامتيازات غير مبررة.
المدهش فيما يحصل اعتقاد بعض الذين يتباكون على الوطن انه لهم وحدهم متجاهلين الحقوق المتساوية للاخرين. الكثير من هؤلاء ينظرون الى ما سواهم كخصوم او اعداء متناسين ان لا احد يعيش بلا وطن ولا يقيم في هذا الكون كائن بلا صلة بمكان.
التعددية التي نتحدث عنها في كل مناسبة تقتضي ان يحمل الافراد والجماعات تطلعات وافكارا ورؤى متنوعة يتحاورون فيما بينهم وضمن الاطر الواضحة العادلة على كيفية تنسيقها وتنظيمها والافادة منها. ضمن هذا الفهم فإن تصنيفات الوطنية والانتماء والحب والخيانة والوفاء ونكران الجميل لا تعدو كونها جدلا فيه من السفسطة والادعاء والمزاودات الكثير.
بعض الكتاب والمتقاعدين وحتى الشباب يدخلون في نقاشات وهمية ويحلقون في ملاحقة اشباح من يظنون انهم لا يحبون الوطن بمقدار حبهم. هؤلاء الاشخاص نجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات المواقع الالكترونية ينشرون تغريدات على شاكلة “الاستقواء على الوطن” او “كونوا مع الوطن” وكأن الوطن شخص او كائن حي متناسين ان المفردة تعني اسم لمكان اقامة او استقرار الكائن سواء ولد ام لم يولد فيه.
في الاردن وبالرغم من التباين الظاهر بين الافراد في اصولهم ومنابتهم والقرب والبعد من مراكز القوة والتأثير والتفاوت في فرص التعليم والعمل والتقدم في الادارة والاعمال وتحقيق الانجازات الا ان الجميع يعدون انفسهم مواطنين اردنيين يحبون وطنهم ايما حب ويتاثرون بما يحدث له ويسعدون بالتقدم والازدهار الذي قد يتحقق ويتمنون ان تتحسن صورته في اذهانهم وعيون العالم.
(الغد)