سندرسن باشا طبيب العائلة المالكة في العراق في زياره للاردن
أ.د. سعد ابو دية
01-03-2010 06:03 PM
من هو الكاتب :
هو أشهر شخصية بريطانية عملت مع العائلة المالكة في العراق . كان طبيباً للعائلة المالكة . نشر مذكراته عام 1972م ووضع لها عنوان ( عشرة آلاف ليلة وليلة ) .
قضى سندرسن باشا في العراق من عام 1918م وحتى عام 1946 وهي ثمانية وعشرين عاماً وله وجهات نظر تستحق أن تسمع
لم يكن يريد أن ينشر مذكراته ولكن بعد ثورة 14 تموز ووفاة زوجته عام 1967م أصبحت المذكرات هي المشاركة المتواضعة لذكرى العائلة المالكة في العراق
سندرسن باشاو علاقته مع الأردن:
دخل الأردن وهو عائد من بريطانيا وطار فوق البحر الميت والتقى الملك المؤسس مع ملك العراق الملك فيصل ولفت انتباه الكاتب أن الملك المؤسس يخاطب فيصل شقيقه الأصغر بلقب ( سيدي) ، كان الملك المؤسس يلبس الملابس العربية دوماً ، كان ينضم لمجالس الطعام الأمير نايف ، الأمير طلال .
إجازة طويلة :
أخذ إجازة ستة أشهر وغادر في رحلة حول العالم وفي الأثناء عُين عميداًُ لكلية الطب في العراق . عاد إلى بغداد وبدأ بناء كلية الطب ، أعطاه العراقيون صلاحيات في كل شيء ما عدا أن يحضر أطباء من الخارج لمدة أثنى عشر شهراً . أما شعار الكلية فقد صممته زوجة سندرسن .
مع الحسين بن علي في قبرص
زار الحسين بن علي في قبرص وعندما شاهد ( سندرسن) ظن أنه فيلبي وسأل أولاده عبد الله وفيصل هل هو ( فيلبي ) أجاب فيصل أنه سندرسن ولكنه قال انك تخدعني انه فيلبي . فأجاب فيصل إن فيلبي قد مات ، رد الملك ( الحمد لله ) فذهب ومسك الملك سندرسن وقبله .
كان الحسين يعيش في قبرص مع ابنهالامير زيد وكان الملك طلال موجوداً إذ كان يتدرب على أعمال إدارية في الجزيرة .
كانت كريمة الملك صالحة تعيش في بغداد وتزوجت من عبد الله باشا وعاشت في مصر ، أما سارة فقد تزوجت عطا أمين من أبرز المثقفين في العراق بعد الحرب العالمية الأولى وأصبح وزيراً مفوضاً في الخارجية وكان سفيراً في أنقرة ثم لندن .
الحسين في عمان :
رافق سندرسن باشا الحسين إلى عمان في رحلة استغرقت يومين من قبرص ، وصل مساءً وتجمعت جماهير غفيرة لاستقباله وسادت فوضى عدة دقائق قبل أن يتم نقله في سيارة إسعاف ....... وما ان وصل القصر حتى غط في نوم عميق .... لقد ظفر بالهدوء والمأوى الأمين الذي طالما كان يداعب أحلامه .
لقب باشا لسندرسن :
لقد منح الملك المؤسس عبدااله بن الحسين لسندرسن لقب باشا ووسام الاستقلال تقديراً لخدماته للعائلة المالكة خلال عشرة أعوام وآخرها مرافقة الحسين بن علي الذي قال له : ( لست ملكاً لأمنحك أي لقب ) فقام الملك المؤسس بذلك.
في عمان سنة 1933:
سافر مع الملك فيصل إلى عمان في طريقه للندن ، استقبلهم الملك عبد الله وأنجاله طلال ونايف والمندوب كوكس .
وفي عمان شاهد ( بوليشو) الذي جاء لعمان ليكتب سيرة شخصية للملك المؤسس ، كان الملك المؤسس يتوقع أن الناشر يصرف على الكاتب بسخاء ولكن الكاتب كان يريد مالاً وهذا الأمر لا يهتم به الملك ابدا(جاء لبنانيون الى الملك المؤسس في معان عام 1920 لنفس الاسباب تقريبا ولما لم يجدوا المال غادروا ).
الأمير طلال عالم اثار :
أمضى سندرسن باشا أربعة أيام في عمان كان ضيفاً على الأمير طلال الذي لفت انتباه الضيف بمعلوماته التاريخية عن الآثار قال عنه انه على علم شامل بأطلال المدن العربية غير الأردنية بعلبك وتدمر
.من صفات الملك المؤسس :
وقال عن الملك المؤسس انه كان يؤمن بالقضاء والقدر لم يتحدث عن السياسة الاقتصادية كان متمسكاً بشرائع الدين وكان يجد متعة غير محدودة في اللقاءات وحضر سندرسن حواراً هاماً بين الملك فيصل والملك المؤسس حول الشعر الفارسي وكان العاهلان يتذوقانه ، اتفقا على أن الفرودسي أعظم شاعر ملاحم فارسي واختلفا حول شاعرين فارسيين آخرين هما ( سعدي ) و( حافظ ) ، كان الملك المؤسس من أنصار شعر حافظ ..... وتناقشا حول المرأة ، كان الملك فيصل يؤيد إعطاء مزيد من الحريات للمرأة في الملابس في حين أن الملك المؤسس كان متحفظاً وضد الكشف الفاضح لأجسام النساء لأن ذلك يقلل من جاذبيتهن في نظر الرجال ويؤثر في الزواج .
وذكر أن الحكومة الأردنية في تلك الفترة منحت الملك المؤسس مقاطعة زراعية في عين الحمر وهي لا تبعد كثيراً عن قرية صويلح التي وصفها بالبهيجة ( ملاحظة في الوثائق العثمانية ذكرت أن أحسن هواء هو في صويلح ) .
ويقول لأن الملك المؤسس كان يقيم ولائمه المستقلة في هذه القرية وتشتمل بعد العشاء على أغان ينشدها الموسيقار المكي ( لم يذكر اسمه ) بمصاحبة الرباب وعندما فقد هذا المغني بصره اختاره بمثابة جليس في مجالسه وهذه صفة ذات عظمة مفرطة في شخصية الملك المؤسس وللعلم فان هذا المغني ما كان ليغني في مكة إذ أن الشريف حسين منعه من الغناء في المدينة المقدسة لا بل سجنه لأنه تجرأ على مزاولة الغناء في المدينة المقدسة .
مع العاهلين الى القدس :
رافق سندرسن الملك المؤسس والملك فيصل إلى القدس وظل الملك علي في عمان لأنه في ليلته السابقة مرض في عين الحمر وعالجه ( سندرسن ) .
شاهد في طريق القدس مدينة السلط الكبيرة ووادي شعيب الجميل وفيه بقايا مدفع تركي كبير أمطر القدس بقذائفه خلال الحرب العالمية الأولى وقد أطلق عليه الانجليز (عملة أريحا ) وفي أريحا كان هناك (1000) من السكان سود الأجسام يعيشون في أكواخ ذات سقوف مسطحة وفيها أشجار برتقال وليمون تجتذب سكان القدس ، وفي القدس كان الاستقبال كبيراً للملك المؤسس ، والملك فيصل ولكن الحضور قلق من فرنسا في الشمال ومن بريطانيا وهتفوا ( فيصل ملك العرب ) وكانوا سوريين ومن فلسطين كان الملك فيصل كما يقول سندرسن يحلم بإقامة نوع من الاتحاد بين العراق وسورية وفلسطين والأردن وإعطاء ضمانات لاستقلال ذاتي يهودي وكان يعتقد بمرور الزمن يمكن إقناع اليهود بذلك ولو امتد العمر به لكان هذا هو الحل الذي يراه للمشكلة الصعبة .
لقد بكى الملك فيصل من كثرة صيحات الناس وهتافهم له في كل الطرق ويقول : ( إن الملك فيصل كان يحظى بمنزلة رفيعة جداً في كل بلدان الشرق الأوسط .... غير أن تظاهرة بمثل هذه العظمة قد أثارت دهشتي وفرحي في آن واحد) .
لقد كان الحشد أشبه بمهرجان عيد زار الملك المؤسس والملك فيصل قبر الشريف حسين لقد أحسن وصف استقبال الناس للملكين بقوله : ( وفي تطلعها إلى مشاهدة الزائرين الملكيين راحت الحشود تدفع بالموكب وبالشرطة وبالحاشية ومن انضم إليها من عامة الناس إلى أمام أشبه بالقفف التي يتجاذبها نهر دجلة في أوقات الفيضان ) .
وصف السلط:
وفي حفل استقبال أقيم في مقر المجلس الإسلامي الأعلى لفلسطين انضم إليهم نوري السعيد ورستم حيدر . عادوا إلى عمان بالطائرة ووصف السلط في طريق العودة قائلاً : ( تؤلف مدينة السلط صورة بهيجة بمنازلها البيضاء التي اغتسلت بنور شمس الصباح التي أشرقت على الأرض الخضراء ومن الجو كان الطريق الضيق يبدو بكل جلاء وهو يمر عبر أميال من تلال خمرية اللون ويدع المرء يتحقق مدى التعب الذي رافق إنشاء طريق ملتو في عصر كانت فيه أدوات المسح بدائية ) .
بعد وفاة الملك غازي:
كتب أن الملك المؤسس استدعى الشريف حسين بن ناصر وكان ملحقاً دبلوماسياً في السفارة العراقية بتركيا وفي عمان أنعم الملك المؤسس عليه بالزواج من أميرة من كريمات الملك وذكر أن الملك أعطاه لقب أمير(ظل لقبه الشريف حسين) . جاءت الأميرة إلى العراق وسكن معها في بيت قرب بيت سندرسن وبعد عاميين عاود الأميرة الحنين إلى عام فغادرت ولم ترجع إلى العراق أبداً .
تحدث الكتاب عن الزيجات التي تمت وذكر أن بنت الملك فيصل راجحة تزوجت من ( عبد الجبار محمود) بعد أن تخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان وعندما حصلت ثورة 14/تموز كانت الأميرة خارج العراق مع زوجها .
وباختصار فان الكتاب كان تأريخاً للعائلة المالكة في العراق وكشف الكثير من دقائق الأمور . كان يكتب يومياته وإذا تعذر عليه كانت زوجته تكتب نيابة عنه . هذه هي أهمية التوثيق الذي عرفه الضباط والموظفين الانجليز أكثر من غيرهم .
تلك الكلمة المباركة بلاد الرافدين:
قال هذه العبارة ( تلك الكلمة المباركة بلاد الرافدين ) مؤسس طائفة المثودست الكلفنيين كان يخاطب به جلسائه واستخدمها المؤلف سندرسن عنواناً لأول فصل .
تحدث عن قدوم الملك فيصل وتتويجه ملكاً على العراق في 23/8/1920...... أصبح الكاتب طبيباً للملك وللسفارة البريطانية ووصف الملك فيصل : " كان فيصل يؤلف شخصية محترمة ومهيبة في وقت واحد ، عينان بلون البندق ومحيا حسن وقوام نحيف مشدود فوق مستوى الارتفاع بقليل وشارب أسود ولحية مقرمة تقريماً نظيفاً ) .
والملك فيصل هو ابن عابدية ابنة عم الشريف حسين ولدت له صالحة وعلي وعبد الله وفيصل ( لقد زرت شخصياً الأميرة صالحة في مصر عام 1979وكانت لها شقة في الإسكندرية ) وتزوج الحسين من تركية فولدت له ( الأمير زيد وفاطمة وسارة ) .
كتب الكاتب عبارة غريبة جداً ذكر فيها أن الملك حسين أخطأ خطاً كبيراً لا بل قال عنه جريمة في نظر بريطانيا وذكر المثل الفرنسي :( إن لم تكن أسوء جريمة فإنها أسوء خطأ ) .
وهذا الخطأ هو إعلان الخلافة الذي عجل بالنهاية من قبل بريطانيا . على العموم لم تكن بداية حياة الملك فيصل في العراق سعيدة ، لقد مرض بعد سنة ويوم من توليه عرش العراق ، وبدأ سندرسن يعالجه وخشي أن يأخذ لقب طبيب الملك الخاص لأن ذلك يثير غيرة الأطباء العراقيين .