الكارثة اللبنانية شاهد حي على الاستهتار بحياة الانسان وغياب السلطات وضعف المسؤولية والفساد الكبير الذي تغيب فيه المسؤولية الوطنية والمهنية والاخلاقية والقانونية وبالتالي التصرف المناسب لازالة اي خطر .
ما تعرضت له بيروت وشعب لبنان باسره وحرقتنا عليها يدفعنا بقوميتنا ومحبتنا لان نكتب بسطور الالم وحبر الدم الاحمر كلمات عزاء زسطور امل وتفاؤل للبنان واهل لبنان - فهو الشعب الحي الذي لا يستحق الا الاحترام والشكر على الصبر الكبير الذي تحمله جراء المعاناة طويلة الامد التي عانها منذ الحرب الاهلية وتدخل الدول في حياته ومصيره ومستقبله ؟!. - هو الذي يدفعنا كابناء امة محبون للبنان وعاشقوها ومقدرون لاهلها الذين ما زالت بصماتهم ، اساتذة وجامعات ومعاهد علم ومعرفة وثقافة ترسم ثقافة الشعوب العربية واعلامها وفكرها.
ومهما كانت اسباب كارثة بيروت فان الواقع السياسي وسياسة المحاصصة وبنفس الوقت الطائفية المقيته ، وتنصل القائمين على الخدمة العامة من تحمل مسؤولياتهم جراء استحقاقات المحاصصة , ترك لبنان لان يكون عرضة لاي خطر , ولهزات لن تكون كارثة المرفأ هي الاولى ولن تكون بالطبع هي الاخيرة اذا استمر الحال على ما هو عليه.
فعندما يطالب اربعة رؤساء حكومات هم سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد سنيورة , وتمام سلام بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الحادثة , ويدعوا مفتي الجمهورية اللبنانية لنفس الطلب , ويخرج سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية, ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليتهموا السلطة بعدم حياديتها ،باعتبار ان عنوانها ولونها وإطارها , واجندتها تمثل جهة دون غيرها ،وهذا ما يترجمه اطر المخاوف الكبيرة المتولدة بالشارع العام اللبناني المتجهة نحو جهات تستأثر بالسيطرة على المرفأ وترفض البت بمصير مثل تلك المواد الكيماوية شديدة الخطورة رغم محاولات مسؤولي المرفأ مخاطبة قاضي الامور المستعجلة بضرورة التخلص من هذه المواد الخطرة ومنذ ستة سنوات دون اكتراث ، او حتى مبالاه , والذي يعزيه سمير جعجع الى توايا استخدام مثل هذه المواد لاغراض لا يمكن ان تكون سلمية.
الشارع العام اللبناني ومن مختلف الطوائف و الفئات يتوحد ويهتف باسقاط النظام وتغيير السلطة ويطلب من الرئيس الفرنسي الذي تجول بشوارع بيروت ومنطقة النكبة ، مساعدة هذا الشعب المنكوب لانقاذ ما تبقى من دماء وارواح ابناء الشعب ، واستغلالالفرصة الاخير لانقاذ لبنان من الزوال ، بعيدا عن لغة العواطف والدغدغة الذين يتقنوها اصحاب المصالح والاجندات من كل الطوائف والاحزاب والفئات , فالفساد نخر المؤسسات والمحاصصة اضعفت المسؤولية ، وهيبة الدولة مبعثرة ومشتتة والضحية في هذه وتلك هي الشعب وحياة المواطن وكقدرات الوطن وتاريخ بنائها؟.
تغيير الاحوال في لبنان او في اي نظام سياسي في العالم لا يمكن ان يأتي بالامنيات بمقدار ما يحتاج لفعل حقيقي يعكس فية المواطن ارادته ورأيه على ارض الواقع ، ويحسن الاختيار بنوعية القيادة , بعيدا عن التعنصر والتحيز و الطائفية او الفئوية او العقائدية التي انهكت ودمرت الشعب على مر العصور ، وتستخدمها الانظمة المستبده لتفريق الشعوب وتعميق شروخاتها وبالتالي صراعها وتخلفها؟
دمار لبنان بهذا الشكل هو استهتار مطلق وصل مستوى اللا مبالاة بحياة الناس وممتلكاتهم , وهي اشبه بشريعة الغاب التي لا تعرف للانسانية معنى ، فمثل كارثة نترات الامونيا التي خزنت لاغراض غير انسانية دون ان يستطيع احد ان يحدد مصيرها السلمي او اجراءات السلامة العامة , ودون الالتفاف لمراسلات المعنيين في المرفأ للتخلص منها يعني وبلا ادنى شك ان سلطة من يملكها هي اكبر من سلطة الدولة ، وانه لا سلطة حقيقية للدولة اللبنانية ولا هيبة لها , وان السلطة مبعثرة وموزعة ولا قدرة ولا سلطة لاحد على الاخر اي لا سلطة عليا لهذه الدولة تحقق الامن والسلامة للناس فيها وتضمن العدالة والمساواة ووتكفل الحقوق ضمن اطار الدولة المدنية التي يحكمها القانون ؟ ، وان حياة الناس آخر ما يفكر بها مثل هؤلاء المعنيون بهذه المادة ، او لنقل هذه السلطات الكرتونية . ؟
وياليت ان مثل هذه المادة المخزنة جاءت لخدمت لبنان كمغذي للارضي الزراعية لزيادة الانتاج وتطوير الدخل للدولة والمواطن , بل جاءت لصناعة الارهاب وقتل الابرياء واغتيال الاطفال والشيوخ والنساء ؟
بيروت العاروس ، وعاريسها الشاطيء المبتهج ، ومعازيبها من اللبنانيين والبيروتيين خاصة لا يستحقون هذا الاستهتار بارواحهم , فقد سمعت زغاريد المباني اللبنانية المحاذية للشاطيء ترحب بالقادمين على الدوام وتفتح ذراعيها بابتسامة الشهامة والعز المعروفة عن لبنان واللبنانيين . سنوات وسنوات امضيناها بين احضان بيروت نتغذى من علمها ونتعلم من ثقافتها وفكرها , ونرتشف من ادبها وكبريائها وحياتها التي تشع بالامل والتفاؤل والمستقبل المشرق , فهل تم اغتيال الحياة في لبنان , وهل اقتحم خدرها فباتت بلا مأوى؟
لا نريد ان نلتفت لما يقوله ترامب وخبراء العسكر الامريكي وتركيزهم على الهجوم والاعمال العدائية , ولا نريد ان نشير الى اصابع اسرائيل وامكانية استخدام الاقمار الصناعية لاشعال الحريق , ولا الى الاهمال غير المتعمد ، او سوء المعرفة او سوء اجراءات السلامة العامة , بل لا بد من النظر الى النتيجة وكيفية الصحوة الحقيقية لشعب وشخصيات ما زالت تصنع ثقافة الامة وتقود حركة التنوير العربي , لتعود لبنان كما عهدنا بها سويسرا العرب وحاضنة المعرفة والعلم والثقافة.