لله درك يا بيروت .. وانت تحتضرين في قلبك دمارك لتُنبت فيه ومنه أغصان إكليل غارك ، فانت المدينة المسكونة بهوَس الانفجارات ورائحة الموت ، لكنك عصيّة على روايات الخيانة، ومتحصّنة بوفاء عشق أهلك.
ما حدث في بيروت جريمة مباغته استهدفت رقاد صمت بيروت وسكونها ، لم تكن قد استفاقت بعد من إنخطافها المتكرر ، فكانت هائمة في أعماق صلاة عيدها وصوت مآذنها وطنين اجراس كنائسها ، ليطعنوها في الظهر ، وليستبيحوا جسدها ، فرجموها بكتل النار الملتهبة وابادوا مرفأها الوادع ، وروعوا دفاعات نبض قلبها ، هذا النبض الذي قام منه وتفاعل معه روّادها ليمتشقوا سرَّ تجدّد حياتها من روح عِناد أهلها وترابها، فأعلنوها مدينةً مُصرّةً على البقاء تتلألأ الأضواء في سمائها ، وزرعوا في أحيائها بذور طموحات أبنائها وتكبيرات الأمل والرجاء.
بيروت تنزفُ مرّةً أخرى ، وهي منخطفة إلى عميق إيمان وتشبّث أهلها، كاشفةً ظهرها، ومسلّمةً أمرها فقط لعناية السماء ، لأن أهلها عادوا إلى التوجّس من خنجر الغدر الذي طُعنوا به ، وعادوا إلى التهامس عن قصص الأشباح السوداء، تجول مساحات وفضاءات قلقنا المتجسّد ، لكنها لا تعترف بأي خوف، هي التي تعرف أنها روحٌ وريح، لا يُمكن إحتباسهما في أيّ حصار، ولا يُمكن دفنهما تحت أيّ خوفٍ ودمار لكنّها - بيروتُ الأبيّة - تستغرب، ومنذ ألاف السنين، كيف لم يتعلّم المتطاولون على حرماتها بعد ، سرّ علاقة عبورهم بقبورهم فيها ، وسرّ القيامات المتكررة للبنان الواحد الاحد
فدمت يا لبنان وحمى الله ارضك شعبك.