المشاحنات والأطماع في تاريخ لبنان
د.ياسين الرواشدة
06-08-2020 04:57 PM
كان انفصال لبنان عن سوريا الأم حوالي منتصف الاربعينات أمر غير طبيعي حيث كانت فرنسا المنتدبة على القطرين تحث وتشجع على ذلك الانفصال " متبنية " للموارنة بينما تبنت بريطانيا المسلمين - السنة( طبعا لا هؤلاء حبا في الموارنة ولا اولئك حبا في الاسلام السنة) فيما ظل المسيحيين الارثوذكس " استقلاليون وضد الانفصال هم والدروز وبعض الشيعة الذين كانوا مهمشين.. وهكذا جاءت تركيبة السلطة منذ البداية بتقاسم طائفي " غير مكتوب لكنه متعارف عليه ليكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ورئيس مجلس الوزراء مسلم سني ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي.
الارثوذكس العروبيون خرجوا من المعادلة لكنهم لحقوا حالهم - لاحقا -بمنصب نائب رئيس مجلس النواب ( أو الوزراء) حسب الظروف.
اتفق العرب منذ نهاية الخمسينات على أن تظل لبنان بلدا محايدا وخارج الصراعات العربية بين" تقدمي او رجعي" حيث كان لبنان يمثل سويسرا ثانيه - بلد محايد سياسيا وبلد يضمن لأي فرد يدخله حرية اللجوء السياسي. كما كان موطن لحرية الصحافة وليبرالية الاقتصاد وكانت البنوك اللبنانية مضمونة وموثوقة. كان لبنان موطن لأي مفكر عربي لا موطن له.
وبالطبع أصبحت لبنان البلد الأعلى مستوى معيشة والأكثر انفتاحا وصحافته الأكثر حرية وانفتاحا وأحزابه الأكثر جراه.
هذا النموذج السويسري لم يعمر طويلا .. ففي السبعينات ومع تزايد التدخلات الاقليمية التي اخذت اشكالا مليشاياويه تراجع كل شيء فيه - اسرائيل تتدخل بحجة الوجود الفلسطيني المسلح في الجنوب والحركة والأحزاب اليسارية التي وقفت مع المنظمات الفلسطينية وفي المقابل ميليشيات يمينية تؤيدها قوى عربية ودولية" رجعية " و محافظة وكان بالطبع الصدام حتميا - صدام استمر وتصاعد كحرب اهلية دمرت كل شي خلال عشر سنين .
ليعود لبنان - كطائر الفينيق( الفنيكس) عندما قامت العربية السعودية بأخذ المبادرة وبتنسيق مع الدول العربية المعنية بوساطة بين اللبنانيين - السعودية التي تملك علاقات قديمة ومؤثرة مع الموارنه و مع اليمين اللبناني و في المقابل كانت مؤثرة في فصائل وجماعات من الطرف الاخر. فتم عقد مؤتمر مصالحة في الطائف توصل اللبنانيون فيه الى حل توافقي حافظ على التوازن الطائفي السابق لكن مع صعود قوى جديده ومؤثرة وهي مليشيات الشيعه( التي كان الفلسطينيون قد دربوهم وسلحوهم في الجنوب) ..
كان لزعامة رفيق الحريري وشخصيته الوطنية دورا كبيرا في حل الأزمة فعاد كلاعب رئيسي وترأس الحكومة اللبنانية بما يشبه الاجماع الوطني في ظاهرة تكررت في شخصية بشارة الخوري أول رئيس لبناني واللواء فؤاد شهاب الذي خلص لبنان في اواخر الخمسينات واوائل الستينات من ازمة الصراعات الإقليمية على لبنان .
المؤامرات والأطماع الإقليمية وامتداداتها الداخلية عادت بقوة لتخرب الاستقرار حيث امتدت يد الخيانه لتغتال الرئيس رفيق الحريري وهي غير مدركة أنها تغتال لبنان من خلاله .
ومنذ ذلك الوقت عادت المشاحنات وعادت القوى الصاعدة وعلى رأسها مليشيات حزب الله لتكون القوة الرئيسية والرقم الصعب في الواقع اللبناني - وعاد الشحن الطائفي والمناطقي وعاد لبنان مرتعا للمخربين من كل حدب وصوب ... التفجير الاخير حلقة من سلسلة التخريب الذي يلحق بلبنان في السنين الاخيرة.. انا على قناعة ان لبنان سيعود وسينتصر على كل الزعامات والمليشيات والاحزاب والسماسرة المرتبطة بالخارج .. الثمن سيكون غاليا لكن لبنان - طائر الفينيق سيخرج من الرماد ... ويعود مغردا بالحرية ..ومعه احرار الوطن السوري والعربي والعالم كلهم .