الثقافة بين الوزارة والأداء الأهلي
د. نزار قبيلات
05-08-2020 02:48 PM
هالَني عدد المقالات المَرفوعة على موقع الوزارة الإلكتروني؛ المقالات التي تمجّد وتمدح تارةً فعل الوزير سَواء الحالي أم من سبقوه وتُهيل عِبارات الشّكر والابتهال لأداء المسؤولين ومنجزهم المستجيب لردّات فعل الجائحة ولواقع ثقافي مرير وشحيح تعانيه ثقافتنا منذ مشروع صندوق الثقافة وحتى مشروع المحتوى الرقمي الثقافي.
يبدو لي أنّه وكلما وُضِع شأن الثقافة على طاولة التغيير الحكومي كلما شرعوا بتغيير الوزير؛ فيفصلون بذاك الرأس ويتركون الجسد بانتظار رأسٍ أخرى ظانين بذاك أن تحسين الواقع الثقافي وتجويده يعني تغيير الوزير لا النهج والسياسات والفلسفة التي لم تتغير في وزارتنا منذ مدة طويلة...، فيأتون بآخر جديد لتشمل أولى التغييرات والتحسينات المستعجلة التي يقوم بها ديكورات مكتبي الوزير وأمينه ثم الظهور فوراً على وسائل الإعلام للإعلان عن خطة نهوض ثقافية فريدة، فتجد من برفقته يدوّنون بمللٍ شديد ما سئموا منه مراراً وتكراراً، على أنني أعي بجلاء أن لكلّ وزير فلسفته ومذهبه في إعمال الشّأن الثقافي وتحريك قِيعانه الرّاكدة، بيد أنه سريعا ما يأتي القياس مناقضا للقيافة، فيغدو التغيير تغييراً شفاهياً، فعادة ما لا يُكتب لهذه الخطط والرؤى الاستمرار نتيجة تغيير الوزير وانقلاب الجديد على رؤى وطروحات من سبقه، وغالبا أيضاً ما يظهر الوزير الذي لم يلبث إكمال عامه الأول في موقع الوزير في فعالية عفوية تأتي على شكل حفلة موسمية أو في تسويفات ورعايات عابرة وإطلاق مسابقات من فئة الوجبات الخفيفة والرشيقة التي تكفي ملء صفحة كاملة في موقع الوزارة الإعلامي وبكلفة زهيدة؛ إذ الوزارة اليوم منصة لإطلاق الجوائز والمسابقات والتكريم والتأبين والفعاليات المرئية ..... ونادرا ما تتذكر بأنها وزارة تحاول تمكين الشباب والمبدعين الجدد في كافة المجالات والفنون التي تخطّت اليوم الفنون الخمس إلى فنون مستحدثة كـ:فن التصوير وصناعة الفلم والفنون الديجالتية الحديثة....
الثقافة فضلاً عن أنها فعل ترسيخ فهي تُعرف معجمياً في الانجليزية بـ culture فتتقاطع مع الزراعة agriculture لتعني نمط الحياة والنّماء الذي لا يقتصر على الفعل الآني والاستجابة العجلى للمتغيرات فهي فعل تربوي تلزمه العناية كنهج حياة يتسم بالديمومة والتطور....
الوزارة في جائحة كورونا استندت على الفعل الشخصي وعلى الأداء الأهلي الذي لم يتلق أي شكل من أشكال الدربة والتفعيل و المأسسة، ففعل الثقافة ليس ترفاً بل حاجة ماسة تحتاج إلى غرس وتمكين، وإلى إدارة لا تنوي التحوّط على كل شيء وربط كل فعل ثقافي بحضور معاليه، الثقافة فعلٌ جمعي نتاجه يعمّ ولا يخص، كما لا يمكن ربط أي منجز ثقافي بشخص الوزير الذي يريد تقليص دائرة الضوء على شخصه واضعاً الآخرين في غياهب عتمة المسرح.