منذ ايام وانا أسأل نفسي كيف تدهورت اوضاع الموازنة المالية على هذا النحو وبِتنا نبحث عن حلول قاسية للخروج من ازمة اقتصادية سببها اساسا السياسات الاقتصادية الرسمية التي احدثت اختلالات عميقة واثرت سلبا على أمن المواطنين المعيشي.
اليوم بِتنا نسمع ارقاما "مقلقة" عن مالية الدولة العامة, وفي الحقيقة لا احد يعلم الحقيقة سوى الحكومة وحدها, فلا برلمان يدقق او يحاسب, ولا مؤسسات مجتمع مدني تراقب, واعلاما يتسابق على "التقاط" تصريحات المسؤولين من دون ان يملك ما يعرف ما وراء المعلومة.
فجأة يرتفع عجز موازنة 2010 من (685) مليون دينار الى (1.105) مليار دينار, وفجأة تكتشف الحكومة ان الايرادات الضريبية ستقل عن المقدر بواقع 90 مليونا, وفجأة يَتبيّن للحكومة ان هناك نفقات اكثر من 160 مليون دينار لم يتم ادراجها في قانون الموازنة المؤقت, وفجأة تخبرنا الحكومة ان ما يقارب ال¯ 170 مليون دينار من المنح الخارجية تحت باب قيد الانتظار ولا يوجد اتصال مع المانحين حول تلك الاموال وبالتالي ستنخفض المساعدات المقدرة من 330 مليون دينار الى 170 مليون دينار وبالتالي سيرتفع العجز, ومع كل ذلك تعود الحكومة وتتفق مع سابقتها بتطابق التوقعات حول النمو الاقتصادي المستهدف في سنة 2010 وهو 4 بالمئة تقريبا رغم ان فجوة الارقام بينهما كبيرة.
في ذهني تساؤلات عديدة حول هذا الموضوع وبالاخص حول حقيقة الارقام التي تتحدث عنها الحكومة حول العجز, ولا يفهم من كلامي اني اشكك بما تقول, لكنها استفسارات لم اجد لها إجابات, فاذا افترضنا على سبيل المثال ان الجهاز التنفيذي للدولة في افضل حالته ويملك الكفاءة المتميزة في تنفيذ المشاريع الرأسمالية المقدرة في الموازنة بقيمة 960 مليون دينار فانه لن ينفذ اكثر من 80 بالمئة منها, واذا ما علمنا ان الحكومة تتجه لتأجيل تنفيذ عدد كبير من المشاريع حتى شهر حزيران فان المنطق يقول ان جزءا لا بأس به سيتوفر للخزينة من مخصصات النفقات الرأسمالية وعلى اقل تقدير قد يتراوح بين 200-300 مليون دينار.
اما بالنسبة لتراجع الايرادات الضريبية فالمعروف انه ولدى اعداد الموازنات العامة فان القائمين على ذلك يلجأون الى ما يعرف بالتحوط, اي يتم تقدير التحصيلات الضريبية بأقل من مستواها الفعلي, وهذا ما يحدث في كل عام, بحيث تأتي الحكومة في نهاية كل عام لتجد ان الايرادات نمت بشكل كبير يفوق التوقعات, وهذا ليس بسبب زيادة فاعلية التحصيل فقط, بل يعود الى التحوط في تقدير الايرادات, مما يعني ان هناك اموالا اضافية باتت لدى الخزينة ايضا.
اما بالنسبة لبند المساعدات فمعلوم لدى الجميع ان العادة قد جرت لدى اعداد الموازنة العامة وضع ارقام تقديرية للمنح تحت بندين احدهما متعاقد عليه والآخر قيد الانتظار, وفي موازنة العام الحالي قدرت المساعدات بحوالي 330 مليون دينار منها 170 قيد الانتظار, والملاحظ ان الرقم الاجمالي ليس كبيرا اذا ما دققنا في حجم المساعدات التي حصلت عليها الخزينة خلال الاعوام السابقة بلا استثناء, وفي العادة تزيد مبالغ المنح للخزينة عن المقدر بكثير مع نهاية العام, وهذا ما يحصل فعلا وليس بالاحلام كما يعتقد البعض.
حسب المعطيات السابقة فستتوفر للخزينة اموال كبيرة ناهيك عن أية اجراءات حكومية لضبط الانفاق الامر الذي سيساهم بتخفيض العجز عن التقدير الحكومي بنسب كبيرة اذا صحت الفرضيات السابقة.
أتفهم جيدا وضع الموازنة العامة وأعي خطورة الوضع ان صح ما تتحدث عنه الحكومة, لكن في اعتقادي ان هناك مجالا كبيرا للتحرك ومعالجة الوضع المالي وبأساليب تقليدية, والتجارب خير برهان على ذلك الا اذا ارادت الحكومة تهويل الوضع المالي لغاية في نفس يعقوب. والله اعلم.0
العرب اليوم