هل يملك بعض البشر مناعة مطلقة ضد كورونا؟
05-08-2020 10:59 AM
عمون - بعد أكثر من سبعة أشهر من انتشار فيروس كورونا، الذي قلب حياة معظم سكان الأرض، بدأ المجتمع العلمي يتعرف تدريجيا إلى فيروس سارس- 2 - كوف، الذي يسبب مرض كوفيد-19، إلا أن هناك أيضًا العديد من الثغرات التي تبقي لحد الآن مجهولة.
لغز واحد كبير: لماذا يصاب بعض الأشخاص بمرض كوفيد-19 بشكل حاد مما يؤدي إلى الوفاة، بينما لا يظهر أشخاص آخرون مشابهون أي أعراض وقد لا يدركون أنهم مصابون على الإطلاق؟
كشف العلماء عن بعض العوامل الصحية والعمرية التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لخطر الإصابة بشكل حاد من المرض، وقد يتسبب في وفاتهم، كالمسنين وزيادة الوزن أو السمنة ووجود واحد أو أكثر من الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الكلى أو الرئة والسرطان. ولكن قد يكون العكس صحيحًا أيضًا، فهل يمكن أن يتمتع بعض الأشخاص بالفعل ببعض أنواع الحماية؟
أوضحت مقالة موجزة نُشرت مؤخرًا في مجلة ناتشور ريفيو إيمونولوجي Nature Reviews Immunology أن نسبة كبيرة من السكان لديهم خلايا مناعية قادرة على التعرف إلى أجزاء من فيروس سارس- كوف - 2، والتي قد تعطيهم القدرة والسبق في محاربة العدوى. بعبارة أخرى، قد يتمتع بعض الأشخاص بدرجة كبيرة من الحماية الذاتية.
وأوضح كاتب المقالة أليساندرو سييت من مركز الأمراض المعدية وأبحاث اللقاحات بقوله "ما وجدناه هو أن الأشخاص الذين لم يتعرضوا من قبل لمرض السارس 2 ... حوالي نصف الأشخاص لديهم بعض تفاعل الخلايا التائية".
جهاز المناعة
يحتوي جهاز المناعة البشري المكلف بالحفاظ على صحة الإنسان في مواجهة الغزاة البكتيرية والفيروسية والفطرية والطفيلية وغيرها، على مكونين رئيسيين: جهاز المناعة الفطري ونظام المناعة التكيفي.
جهاز المناعة الفطري هو خط الدفاع الأول وتشمل أجزاء منه على حواجز مادية مثل الجلد والأغشية المخاطية والتي تمنع جسديًا دخول الغزاة. وتتضمن أيضًا بعض الخلايا والبروتينات والمواد الكيميائية التي تصدر حمايات، مثل إحداث الالتهاب وتدمير الخلايا الغازية.
عندما يكون الجهاز المناعي الفطري فوريًا وغير محدد (يحاول منع أي شيء من دخول الجسم)، فإن الجهاز المناعي التكيفي موجه ضد غزاة معروفين سابقًا.
ويتضمن الجهاز المناعي التكيفي نوعًا من خلايا الدم البيضاء، تسمى خلية "ب-B"، والتي تجوب الجسم بحثًا عن الأجسام الدخيلة والشريرة. وتحتوي كل الخلايا البائية على مضاد فريد على سطحها ويمكن أن يرتبط بمولد مضاد فريد (الاسم التقني للغازي الأجنبي) ويمنعه من دخول خلية مضيفة.
وعندما يجد الخلية الشريرة يرتبط بها ويتم تنشيط الخلية "ب-B" التي تقوم بدورها بنسخ نفسها وتنتج أجسامًا مضادة، مما يؤدي في النهاية إلى إنشاء جيش ضخم من الخلايا لمواجهة "الغازي المحدد".
بهذه الطريقة تتكون الأجسام المضادة التي أنشأتها أجهزة المناعة للأشخاص الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19.
ولكن لسوء الحظ، أظهرت بعض الدراسات الأخيرة أن الأجسام المضادة لهذا الفيروس التاجي يمكن أن تتلاشى بسرعة كبيرة خاصةً لدى الأشخاص الذين أصيبوا بشكل خفيف من كوفيد-19.
وأثارت نتائج هذه الدراسات قلق العديد من الباحثين لأن هذا الأمر يجعل المجتمع العلمي غير متأكد من المدة التي سيبقى فيها الشخص المصاب بهذا الفيروس محميًا من عدوى جديدة، خاصة وسط غياب لقاح يحفز استجابة الأجسام المضادة للمساعدة في حماية الإنسان لفترة طويلة.
وبالرغم من هذا القلق، تجدر الإشارة إلى أن الأجسام المضادة ليست هي السلاح الوحيد الذي يستخدمه نظام المناعة التكيفي لدرء العدوى. فالخلية "ت -T" المعروفة تقنيا بالخلايا التائية تساعد في نظام الحماية. وهي مشكلة من ثلاثة أنواع، يفرزها الجسم بعد الإصابة للمساعدة في العدوى المستقبلية من نفس الغزاة.
تساعد إحدى الخلايا التائية الجسم على تذكر ذلك الغازي في حالة تعرضه للعدوى مرة أخرى. ويطارد آخر الخلايا المدمرة المصابة ويدمرها والثالث يساعد بطرق أخرى.
اكتشاف مفاجىء
إن الخلايا التائية مثل تلك، التي تفاعلت مع فيروس السارس- كوف-2، اكتشفها سييت ومؤلفه المشارك شين كروتي عن طريق الصدفة في عينات لدم أشخاص جمعت قبل عدة سنوات.
الخبيران كان يجريان تجربة على عينات من دم أشخاص أصيبوا وتعافوا من مرض كوفيد-19. وكانا في حاجة إلى نتائج تحاليل دموية سلبية للمقارنة بين العينات.
اختار الخبيران عينات دم أشخاص أصحاء تم جمعهما في سان دييغو في الفترة ما بين 2015 و2018. وأوضح ست "لم يكن هناك أي احتمال لتعرض هؤلاء الأشخاص لمرض سارس- كوف 2. وعندما قمنا بالتحاليل تبين أن الرقابة السلبية لم تكن سلبية بشكل تام، حيث كان حوالي نصف الأشخاص لديهم تفاعل".
وأضاف الخبير "لقد بحثت أنا وشين على البيانات وكنا ننظر إليها من اليمين ومن اليسار ومن الأعلى ومن الأسفل وكانت حقً"حقيقية ". لقد كان هذا التفاعل حقيقيًا. فقد أظهرت التحاليل أن الأشخاص الذين لم يروا هذا الفيروس من قبل، لديهم بعض تفاعل الخلايا التائية ضد الفيروس".تم نشر هذه الورقة في نهاية يونيو في مجلة الخلية.
ولاحظ كل من سيت وكروتي أنهم ليسوا الوحيدين الذين رأوا ذلك، "لقد تم تأكيد هذه النتائج مؤخرا في قارات ومختبرات مختلفة وحتى بتقنيات مخالفة. يعتقد الباحثان بأن تعرف الخلايا التائية لأجزاء من فيروس سارس- كوف 2 قد يأتي جزئيًا من التعرض السابق لأحد الفيروسات التاجية المعروفة الأربعة التي تسبب نزلات البرد لدى ملايين الأشخاص كل عام.
صديق أو عدو؟
ورغم هذا تبقى العديد من الأسئلة المطروحة من دون إجابة، بما في ذلك ما إذا كان هذا الاعتراف بأجزاء من السارس - كوف 2 بواسطة الخلايا التائية يساعد أو يؤذي.
يقول كروتي "هل هذه الخلايا التائية مفيدة للحماية من مرض كوفيد-19، إنه السؤال الضخم". "لا نعرف ما إذا كانت الخلايا التائية مفيدة أم لا، لكننا نعتقد أنه من المنطقي التكهن بأنها قد تكون مفيدة.
من جهته قال الدكتور أرتورو كاساديفال، رئيس قسم علم الأحياء الدقيقة الجزئية والمناعة في كلية جونز هوبكنز للصحة العامة لشبكة سي إن إن "كل هذه الفيروسات التاجية مرتبطة ببعضها البعض، بالنظر إلى أننا نواجهها كل عام، فإنه ليس من المستغرب أن يكون لدينا خلايا ت -T تتفاعل معها".
قبل بضعة أشهر، أشار كاساديفال إلى فكرة لماذا يمرض بعض الناس ولا يصاب البعض الآخر وكتب في مقال رأي نشر على موقع بلومبرغ "أحد المتغيرات هو ما نسميه التاريخ المناعي. كل الأشياء التي واجهتها في حياتك وجميع اللقاحات ونزلات البرد وجميع اضطرابات الجهاز الهضمي، خلقت معرفة أساسية يمكن أن تساعدأة تؤذي".
يفترض كاساديفال أن بعض الأشخاص الذين لا يعانون من أعراض كوفيد-19 قد يكونون قادرين على التخلص من الفيروس بسرعة بفضل تفاعل الخلايا التائية.
آثار كبيرة على اللقاحات
إذا افتراضنا أن جزءًا كبيرًا من السكان لديهم نوع من تفاعل الخلايا التائية مع فيروس سارس- كوف 2 فماذا يعني ذلك بالنسبة لجهود التوصل إلى لقاح؟ بحسب خبراء الصحة، الأمر يحمل العديد من الآثار.
مناعة القطيع تنمو بشكل أقوى
هناك تداعيات حول المدة التي يستغرقها الجميع للتوصل إلى ما يعرف بـ "مناعة القطيع" التي تعني أن عددًا كافيًا من السكان أصبحوا محصنين ضد السارس- كوف- 2، وذلك بفضل العدوى أو التطعيم، ولم يعد من الممكن انتقال الفيروس بسهولة.
يقول الدكتور جون ايوانديس، أستاذ الطب وعلم الأوبئة وصحة السكان في جامعة ستانفورد "بالنسبة لمناعة القطيع، إذا كان لدينا بالفعل نسبة كبيرة جدًا من السكان المحصنين بالفعل بطريقة أو بأخرى من خلال هذه الاستجابات الخلوية، فيمكننا أن ندرج ذلك في الإحصاءات التي نحتاجها لإنشاء مناعة القطيع. بعبارة أخرى، إذا توفر مستوى عال من مناعة القطيع، فإن ذلك سيغير من سرعة تفشي الفيروس عبر المجتمعات والسكان المختلفين، بحسب "يورونيوز".