منذ تاريخ 29 تموز المنصرم و موجة التشكيك البيلاروسية الرسمية رفيعة المستوى بحراك الدولة الروسية صوبها عبر شركة (فاغنر ) الروسية الأمنية , وبتعداد يتراوح بين 32 شخصا إلى 200 شخصا , جلهم يرتدون زيا عسكريا موحدا , و يحمل كل فرد منهم حقيبة صغيرة وثلاثة حقائب كبيرة , و تواجدوا قرب العاصمة مينسك , تتصاعد , و تصريحات رسمية بيلاروسية ساخنة قادها الرئيس البيلاروسي فيكتور لوكاشينكا تشير لتورط ( فاغنر ) اللوجستية , بمعنى روسيا في التدخل في الانتخابات البيلاروسية الرئاسية التي ستفتح صناديق اقتراعها بتاريخ 9 أغسطس الجاري لإعادة انتخاب الرئيس لوكاشينكا للمرة السادسة منذ عام 1994 اي على طريقة الرئيس بوتين نوعا ما ,( وما حدى احسن من حدى ) . و الرئيس لوكاشينكا بالمناسبة سوفييتي الانتماء و الهوى , ووطني و قومي حتى النخاع , وبلده بيبلاروسيا مستقلة منذ تاريخ 25 اغسطس 1991 بعد انهيار المنظومة السوفيتية , و يرفض الانسلاخ عن الفضاء الروسي رغم حسرته على الانهيار السوفييتي التي ترافقه دائما . و معاهدة وحدة اقتصادية مصيرية مع روسيا ترتكز على النفط و الغاز , الجمارك . و تبادل تجاري تجاوز ال 35 مليار دولار نهاية العام الماضي 2019. و بيلاروسيا شككت بأوكرانيا كما روسيا , و ببولندا بينما الانتخابات الرئاسية على الابواب . فما هي الجهة الخفية التي تقف وراء تعكير صفوة العلاقات الروسية البيلاروسية التي عرف عنها قوتها , و صلابتها , رغم الاهتزاز الروسي الاوكراني , و الجورجي ,و بالعكس بعد غياب الشمس السوفيتية عام 1991 ؟
وقبل ان ابحر معكم الى قلب القضية الروسية - البيلاروسية هذه , و ازمتها الجديدة , اذهب في خيالي معكم الى اتون الحرب الباردة الغربية بقيادة امريكا , و التي اندلعت بوجه السوفييت بعد نهاية الحرب الوطنية العظمى (الثانية ) 1945 , و لازالت بيلاروسيا تتصدى لها الى جانب روسيا , رغم غرق اوكرانيا , و جورجيا , الى جانب بلدان عديدة على خارطة العالم . ومن مصلحة امريكا بالذات و دول الناتو الاقتراب من بيلاروسيا و العبث في صلابة موقفها المحسوب على الدولة الروسية التي لايراد لصعودها بقيادة رئيسها الفولاذي فلاديمير بوتين ان يستمر يحقق نجاحاته على مستوى العسكرة ,و التكنولوجيا , و الاقتصاد , و الثقافة , و القانون الدولي . و عرضين عسكريين محسودين لروسيا في مدينتي موسكو , و سانت بيتر بورغ هذا العام و قبل ذلك وصلا لدرجة العملقة . و حضور ملاحظ هام للرئيس البيلاروسي لوكاشينكا للعرض البيلاروسي في الساحة الحمراء في موسكو تحديدا نهاية حزيران الماضي بتاريخ 26 منه العرض العسكري بمناسبة عيد النصر 75 على النازية الالمانية , اعطى اشارة للغرب الامريكي على صلابة الرجل الواجب زحزحته عن مكانه .
وظهر رئيس بيلاروسيا لوكاشينكا عبر اعلام بلاده مشككا بهدف روسيا من ارسال مجموعة ( فاغنر ) الى عاصمة بلاده مينسك على ابواب الانتخابات الرئاسية ,وطالبا من موسكو توضيح الامر . و بالمناسبة روسيا تعرضت لموقف مشابهة بسبب اتهام امريكا ترمب لروسيا بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الامريكية ابان الجولة الرئاسية الاولى للرئيس دونالاند ترمب عام 2017 , وهو ما تم دحضه من قبل موسكو , و لم تسطع واشنطن اثباته . و تعرضت روسيا و تزال تتعرض لهجمة دعائية مضادة على شكل ( فوبيا - روسية ) جراء تدخلها في ملف الازمة السورية عام 2015 , رغم تواجدها هناك بدعوة من نظام دمشق , بعكس امريكا تماما التي تواجدت هناك قبلها عام 2011 , و لازالت تتواجد في سورية من دون دعوة رسمية من نظامها . وفي المقابل صرح دميتري بيسكوف مدير المكتب الصحفي و الاعلامي لقصر الكرملين الرئاسي بأن تواجد المجموعة الروسية في بيلاروسيا لم يخالف القانون , وكانو في طريقهم الى تركيا رغم تأخرهم عن موعد اقلاعهم . و هو الامر الذي لم يتفق معه الامن البيلاروسي . و تصريح لمدير المخابرات الروسية (F.C.B ( سيرجي نارشيكين لوكالة الانباء الروسية (تاس) بتاريخ 1 اغسطس 2020 , استهجن فيه الهجمة الاعلامية البيلاروسية على روسيا بخصوص المجموعة الروسية التي تواجدت في بلادهم في توقيت ارتبط بالانتخابات الرئاسية . و هو الامر الذي نفاه ناريشكين , واعدا بأن يكشفه الزمن القادم , املا بترسيخ العلاقات الروسية البيلاروسية ,و توطيدها .
و( فاغنر) شركة روسية متخصصة امنية تأسست عام 2000 لتنفيذ مهام خاصة متعددة تصب في مصلحة الفيدرالية الروسية , وهي مقربة من الرئيس بوتين كما يتداول الاعلام . وسبق لها ان عملت في اوكرانيا عام 2014 ابان ازمة القرم ,وفي سوريا عام 2015 لازالة الالغام , و لمتابعة شؤون اللاجئين , و في السودان عام 2019 ,وفي منزويلا , و في جمهورية افريقيا الوسطى ,و في ليبيا عام 2020 لمطاردة الارهاب . ومن المهم ذكره هنا بأن قانون العقوبات الروسي يحظر اي نشاط للمرتزقة , وفي مثل هكذا توجه روسي رد مباشر على اتهام روسيا بأستخدام المرتزقة في المهام الخاصة الخارجية .
وكل من يراقب الحدث الروسي - البيلاروسي الجديد لابد له من ان يتخوف من تحول بيلاروسيا الى اوكرانيا جديدة ,او الى جورجيا مثلها . وشخصيا اراهن على حكمة قيادة البلدين روسيا و بيلاروسيا في الوصول الى حل مقنع للازمة بينهما على اساس مواصلة العمل بثقة, و احترام , و تعاون , و تطلع لمستقبل مشرق للشعبين الروسي و البيلاروسي . و لمنع حدوث اختراق بينهما من طرف الغرب الامريكي الذي يتربص بهما , و يضمر لهما الانفصال. و حديث اعلامي بيبلاروسي عن رفض لجنة الانتخابات قبول ترشيح المعارض البيلاروسي البارز بابا ريكو للرئيس لوكاشينكا , وهو السجين حاليا . وهنا العاصمة البيلاروسية (مينسك ) ترد على نوايا مجموعة ( فاغنر ) الروسية المتسللة اليها بهدف , وكما يشاع لمساعدته للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة القريبة . وبين الاشاعة و الحقيقة , فأن قناعتي تصب بأتجاه ان عمل ( فاغنر ) في بيبلاروسيا هو رصد الانتخابات الرئاسية البيلاروسية وما بعدها ليس اكثر . و موسكو وكما اعتقد اذكى من ان تورط نفسها في ازمة مع مينسك من دون مبرر , خاصة و الحرب الباردة في وجهها كنجم صاعد صامد لن تهدأ , و ستبقى مستمرة .