شاءت قدرة الله حين خلق سيدنا آدم عليه السلام؛ أَن تكون ذريته مختلفة الطباع والأَفكار إِلى قيام الساعة، وقد بدأ هذا الاختلاف جَلياً حين كان عدد سكان الأَرض على شكل مجموعة قليلة من الأَفراد فقط ..!! ذاك (الاختلاف) الذي أَخذ شكل (الخلاف) المعلوم للجميع ما بين ابنَي سيدنا آدم عليه السلام (قابيل وهابيل)، الأَمر الذي أَدَّى في نهاية المطاف إِلى مقتل هابيل على يد أَخيه، بالوقت الذي قد يكون فيه مِن الممكن الوصول إِلى (نُقطَةِ إِلتقاء) يتفق عليها الطرفان مِن خلال (بَسطِ اليَد) بنيَّة الخير لا الشر، فيتجنب القاتل وِزرَ قتل أخيه الذي حُمَّل به إِلى قيام الساعة؛ ويتجنب كذلك حالة (النَدم) التي لم تشفع له بعد ذلك أَبدأ ..!! .
إِذن؛ فالاختلاف ظاهرة طبيعية وإِيجابية، ظاهرة تمتزج فيها الأَفكار والطبائع والاتجاهات ببعضها البعض؛ لينتج بعد ذلك أُسلوب حياة، تتوافق والغاية التي خُلق لأَجلها الإِنسان ..!! إِلَّا أَنَّ المشكلة تكمن حين يأَخذ هذا (الاختلاف) شكل (الخلاف)؛ الذي يزرع البذرة الأُولى للنزاعات المختلفة التي قد تتطور إِلى حالة الاقتتال الدائم؛ فتتسع الهوَّة ما بين طرفي النزاع بشكل لا يقبل الوصول إِلى حالة إِتفاق على الإطلاق ..!! وأَنا هنا لا أَعني أَنَّ كل (إِختلاف) لا يجب أَن يصل إِلى درجة (الخلاف)؛ إِنما أَقصد ذاك الاختلاف القابل للتفاوض والتفاهم ما بين طرفيه بشكل يُفضي إِلى الوصول لـ (نُقطَةِ إِلتقاء) بينهما ..!! .
إِذا ما أَسقطنا هذا المفهوم على العلاقة ما بين الحكومة والشعب (أَو فئة منه) في هذا الوطن؛ فإِنني أَفترض ضمناً أَنَّهُ لا يمكن الوصول إِلى درجة الخلاف أَبداً؛ وذلك لتقارب الأَفكار والطبائع والاتجاهات ما بين مكوناته، إِذا ما توافرت النوايا الإيجابية للوصول بهذا الاختلاف إِلى (نُقطَةِ إِلتقاء) .!! على إِفتراض أَنَّ غاية كل طرف لا يجب أَن تتعارض و(مصلحة الوطن) الذي هو أَكبر مِن مصالح الجميع بلا إِستثناء ..!! فإِن لم يهتم طرف ما بهذه المصلحة؛ فلا شك أَنَّ الخلاف هو المصير الحتمي لذلك، وعليه؛ فلا يحق لهذا الطرف أَن يبقى مهما كانت نتائج زواله وأَهمية وجوده قبل ذلك ..!! .
إِنَّ الحرصَ على (مصلحة الوطن) لا تدل عليه شِعارات ولا خُطب بالضرورة؛ إِنما هو أَمر وقع في القلب فتُرجم إِلى أَفعال (شيء أَقرب ما يكون إِلى الإيمان) ..!! فمن يدَّعي الحرص على مصلحة هذا الوطن؛ فَليُرِنا ما تفعله يداه لأَجله، فإِن لم يفعل؛ فليذهب هو ودعواه إِلى غير رجعة ..!! .