غريب لا بل ومريب صمت من ما زالوا يعتقدون بأنهم رجال دولة من مسؤولين سابقين ومن شتى الرتب عندما تكون الشمس في عز سطوعها, بينما هم يتذمرون ويشتكون وبعضهم يتحسرون على حال البلاد والعباد, عندما يدلهم الظلام وفي أماكن مغلقة حيث الظل الذي يحجب أصواتهم دون أن تنفذ عبر الجدران.
هؤلاء الأفاضل هم إما من فئة "وأنا مالي" ولا حاجة بي لوجع الرأس !, أو من فئة الناطرين لأن تنهض حظوظهم من جديد لتسنم صهوة المناصب العليا كما كانوا من قبل, فالصمت بالنسبة لهم هو الأفضل تجنبا للوقوع في خطأ غير مقصود قد يكون سببا في ضياع الفرصة, أو هم من فئة من تورطوا في الخطأ والخطايا سابقا ويخشون إن هم تكلموا أن ينكشف المستور , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فعلا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, فنحن نتحدث عن دولة وعن وطن لم يقصر يوما لا معهم ولا مع غيرهم, وهو اليوم في "دوامة" تبدأ بـ كورونا وتبعاتها ولا تنتهي بإحتجاجات المعلمين المتصاعدة على أهمية وخطورة هذه الإحتجاجات التي يجب أن تعالج وبحكمة, ولا بحالات التسمم الغذائي, ولا بإتساع رقعة الفقر والبطالة ولا بمعضلة الضم ونوايا المحتل ولا بتبعات التدخلات والمداخلات والمصائب الإقليمية والعالمية ولا بتدفق طوفان الشائعات والتكهنات إلى غير ذلك من مسلسل التحديات السياسية الإقتصادية الإجتماعية التي تنوء دونها قدرات الأردن الذي ما ضن بخيره يوما على أحد قط.
هذا زمن يحتاج الأردن الغالي فيه إلى حكمة وصدق وعطاء ونصيحة سائر رجاله بلا إستثناء وعلى نحو ظل مألوفا تاريخيا وعبر العقود, عندما لم يكن أحد سواء أكان على صهوة المنصب أو خارجها يقبل على نفسه التخلي عن وطنه وهموم بلاده ويستسيغ لنفسه الإنتقاد والهجاء في الظل, والمدح المنافق تحت الشمس ليبدو صاحب وجهين أو قناعين والعياذ بالله!.
الأردن اليوم بمسيس حاجة إلى "وقت مستقطع" لإستيعاب ظروفه الراهنة والتفكير مليا بواقعه المستجد ومداواة جروحه الظاهرة ورسم خارطة طريق جديدة للذهاب نحو المستقبل بأمن وسلام وتعاون بين الجميع.
والأردن اليوم وقد حسم جلالة "الملك" رأس الدولة وقائد الوطن أمر الإنتخابات البرلمانية, بات بحاجة ملحة إلى نخب وطنية جديدة تتداخل ولا تتقاطع مع سابقاتها لتصطف مع الوطن ومع الملك في موكب وطني مخلص معطاء يتصدى بإيثار لا بإستئثار, لحل كل المشكلات وتحدي كل التحديات وعلى رأسها إستعادة الثقة التي إهتزت كثيرا بين المواطن والدولة وعلى شاكلة جعلت أخبار الخارج لا الداخل هي المرجعية الأكثر وثوقا في ذهن وشريعة المواطن الأردني الذي ما عرف الكوكب حتى تاريخه إنسانا أكثر منه إلتصاقا بوطنه وبقيادته وجاهزية للتضحية من أجل الوطن حتى لو لم يجد الخبز الحاف عندما ينادي الوطن وعندما يكون المشهد واضحا تماما لا غموض ولا فراغ فيه تتسرب منه الشائعات والمعلومات المسمومة والتكهنات المغرضة.
سنقولها ولا نتردد, الأردن اليوم وقد تحدد يوم الإنتخابات بحاجة إلى حكومة جديدة ذات ولاية كاملة تتألف من شخصيات ثقات تحظى بقبول الشعب وبمقدورها أن تبدأ وفورا بالتعامل الحكيم المبدع المتزن مع كل تحد مهما كان, وعلى قاعدة أن قوة الدولة والوطن هي بتماهي قرارات الحكومة وإجراءاتها مع إرادة الشعب وطموحاته, فالشعب ليس خصما للحكومة بل هو مصدر سلطتها والحكومة "خادمة" لهذا الشعب تفعل كل ما تستطيع من أجل إسعاده وحل مشكلاته. ومتى أدرك الشعب إخلاصها وسعة أفق نظرتها وبعد نظرها تعاون معها وتحمل العناء مهما كان.
نعم , نحن اليوم على درب الإستحقاق الدستوري الأهم لكن الناس تبدو كما لو كانت غير مكترثة بالأمر ولأسباب لم تعد تخفى على أحد, فلا ضير أبدا في حل مجلس النواب فورا وإتباعه بحل الحكومة أعطاها الله العافية, والتغيير والتجديد حتى لو كان في "الثوب" أمر مفرح ومريح ومن شأنه تحسين المزاج العام للشعب شريطة أن يحسن الرئيس المكلف الإختيار.
أما الصامتون في العلن المشككون في السر الذين بدأت سطوري هذه بالحديث عنهم, فأدعو لهم بالهداية وأستنهض همم المخلصين منهم الذين أعطوا للوطن وأنا أعرف معظمهم, وأقول لهم, الأردن وطن والوطن بيت كل مواطن أنى كان زمانه وواقعه ومكانه, ولن يغفر الله جل جلاله لمن يتنكر لوطنه وهو بيته أو يخذل هذا الوطن الذي خلق ليبقى المملكة الأردنية الهاشمية مهما تكالبت عليها الشرور ومهما واجهت من مصاعب على كثرتها ولا خير في من لا خير فيه لوطنه. حمى الله الأردن وشعبه الصابر المصابر من كل طيف بقيادته الهاشمية التي لا حياد عنها بعون الله. وهو سبحانه من وراء قصدي.