في رحاب الذكرى العظيمة .. هل نستدرك انفسنا؟!
محمد حسن التل
28-02-2010 04:02 AM
ونحن نعيش أجواء الذكرى العظيمة ، ذكرى مولد الهدى ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تتدافع الأفكار وتندفع الخواطر والمعاني ، إلى الحد الذي يصعب على الإنسان ، أن يختار أي القيم والمعاني ، المستوحاة من هذه المناسبة العظيمة ، ليتحدث عنها.
قبل خمسة عشر قرناً ويزيد ، أُعلن في السماء والأرض ، عن استئناف مسيرة الإيمان ، حيث ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدأ العد التنازلي لنزول رسالة الله الى الخلق أجمعين بعد أن مُلئت الأرض كفراً وجوراً وظلماً وشركاً ، وجرأة على كل المحرمات ، بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت البداية الأولى لبدء شروق شمس الإيمان من جديد على الناس كافة. وللأسف الشديد ، في زمن الانحسار ، الذي نعيشه نحن منذ قرون ، فرغت هذه المناسبة من كل معنى عظيم لها ، وتحولت الاحتفالات بها ، إلى قوالب موسمية جامدة ، لا تناقش الفكرة من أساسها: فذكرى مولد رسول الله ، ليست كأي ذكرى ، بل نقطة تحوُّل في تاريخ البشرية ، وبالذات أمتنا ، حيث انتدبت من ربها ، لقيادة هذه البشرية. لقد أراد الله عزّ وجل ، لهذه الأمة بقيادة الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن تكون بمستوى التميز والهدف ، الذي جاءت به رسالة الإسلام "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". ولكن ، بعد أن بدّلنا وغيّرنا وابتعدنا عن محراب الرسالة وصاحبها ، انتهينا إلى نفس المتاهة ، التي انتهى إليها الآخرون ، وانجررنا مغمضي الأعين ، وراء خصومنا ، الذين جرّونا إلى الاتجاه الذي أرادوه: فكانت الحالة التي نعيشها.
وقد آل حالنا اليوم ، بسبب تبعيتنا الفكرية والاقتصادية لخصومنا ، إلى ما نحن عليه ، من تفكك وعجز ، لأننا لم ننطلق من منطلق الإسلام ، عقيدة وشريعة ذات رؤية خاصة: فكانت النتيجة ، أن صدق فينا قول الله تعالى "فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا".
إن العرب الذين بُعث فيهم خاتم الرسل ، ونزل القرآن بلغتهم وكانوا الأوائل بحمل الرسالة ، قد عقّوا الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم ، ورفضوا الخير ، واستجابوا لدواعي الهلاك ، متناسين قوله تعالى "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".
لقد استبدلت أمتنا ، الخير بالذي هو ادنى ، وشاعت على ألسنتنا ، أكاذيب الضالين: فالإسلام أصبح عند الكثيرين منا ، تخلّفاً ورجعية ، وحتى الذين يظنون أنفسهم ، ما زالوا متمسكين بالإسلام ، غيّروا وبدّلوا، وإلاّ ، من قال أن الإسلام ، يبيح قتل الناس على العوام ويسفك الدماء ، دون حق ، بحجة الدفاع عن الأمة؟،. إن هؤلاء الذين يعيثون فساداً في الأمة ، تحت عنوان الجهاد ، هم أشد خطراً على الأمة من أعدائنا ، لأنهم شوّهوا بعلمهم ، أو بدون علمهم ، صورة الإسلام وجعلوها صورة مشوّهة في أذهان الأجيال الصاعدة.
لم يكن الإسلام يوماً ، مع استباحة الدماء ، دون حق ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الإنسان بنيان الله ، ملعون من هدمه" ، لاحظ لم يقل المسلم فقط ، بل الإنسان على العموم ، وهذا دليل قاطع ، على عظمة رسالة الإسلام ، وأنها نزلت رحمة للناس كافة.
إننا اليوم ، ونحن نعيش في رحاب الذكرى العظيمة ، لا بد من الاعتذار لصاحبها: فقد بدّلنا وغيّرنا في الرسالة ، ولم نكن على مستواها ، الذي أراده الله تعالى ورسوله العظيم لنا ، والواقع العربي والإسلامي ، بكل ما فيه من ضعف وتمزّق وشتات وضياع ، بسبب تخلّفنا وعجزنا وعدم إدراكنا ، حقيقة القاع السحيق ، الذي وصلنا إليه ، وما يضمره لنا أعداؤنا ، من عداوة وبغضاء ، يؤكد أننا حقيقة ، لم نعد حملة الرسالة. ولكن وسط هذا النفق المظلم ، الذي حُشرت فيه الأمة ، لا بد للعين المبصرة ، أن ترى النور في آخر النفق ، لأن في الأمة روحاً تسري عبر الزمن: ففي الوقت الذي بقي فيه الاسلام ، عملاقاً شامخاً ، يشحذ منه من شاء ، استقلالاً ووعياً وإرادة ومعرفة ، وما رسالة عمان الا شاهد على ذلك ، الرسالة التي خرجت من رحم الاسلام واستقت من نبعه الصافي: فإن المستغربين اكتووا بنار التخلف والسقوط والانهيار ، الذي آل بهم إلى هذا الانهيار ، وها نحن نرى ثمار ما حاولوا به ، أن يستبدلوا تراثنا: فكانت جنايتهم الكبرى علينا ، جهلاً وهزيمة وفرقة.
في رحاب الذكرى العظيمة لمولد سيد الخلق ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لا بد لنا من أن نراجع حساباتنا ، لنعلم أين نقف من الرسالة المحمدية ، وكم ابتعدنا عنها ، حتى نستطيع كأمة ، أن نقوّم الاعوجاج ، الذي أصاب مسيرتنا ، ووصل حالنا إلى ما هو عليه ، علّنا نستطيع استدراك انفسنا قبل فوات الأوان.
* الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الدستور ..