التحرش , و التطاول الاسرائيلي على سورية الوطن و الدولة الذي نراه اليوم في وقتنا المعاصر , و في السنوات الاخيرة له جذوره في عمق التاريخ المعاصر و القديم . فقبل نكسة و مأساة حزيران عام 1967 , تحرك مشروع جمال عبد الناصر لتحرير فلسطين التاريخية لعام 1948 , البالغ مساحتها حوالي 27 ألف كلم2 , تحت شعار " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " في زمن لم يصغِ فيه العرب لنداء ثورتهم العربية الكبرى المجيدة لعام 1916 , التي اطلق عنانها شريف العرب و ملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه . وقابل شعار عبد الناصر انذاك شعار للدولة السورية " امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " , وتلاقى الخط القومي العربي لدخول معركة المصير مع اسرائيل بعد زج الاردن , و العراق في اللحظات الاخيرة . وكانت اسرائيل للعرب بالمرصاد خاصة عندما طالب عبد الناصر الامم المتحدة بسحب قواتها من مضيق تيران , و تمكنت بدعم من الولايات المتحدة الامريكية , و اوروبا ) الناتو ) من قلب معادلة النصر العربي المتوقع الى هزيمة تخللتها احتلالات متشعبة لمساحة واسعة من فلسطين , ومنها قطاع غزة (527 الف دونم ) اي 9% من اراضي الضفة الغربية , رفعتها الى 12% لاحقا , و للجولان , و لمزارع و تلال شبعا اللبنانية . ووقف الاتحاد السوفييتي غاضبا بوجه اسرائيل , و هدد عبر وزير خارجيته ( اندريه غراميكوا ) بقطع العلاقات معها ان لم توقف الحرب , و ساند العرب معنويا و اعلاميا باعتبارهم اصحاب الحق و الارض , و الشرعية .
وفي العمق تاريخ للحراك الصهيوني يمتد الى مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 قاده الصحفي النمساوي المجري ثيودور هرتزل , وهو توسعي , احتلالي , استيطاني , و لا زلنا نشهد اثاره إلى يومنا هذا , وهو شاهد على العصر . وتوفي هرتزل بالمناسبة عام 1904 , اي قبل ان يرى نتاج فكره في ايجاد وطن قومي لليهود على ارض فلسطين العربية - الكنعانية التاريخ . ولقد تمسك حافظ الاسد من وجهة نظر قومية بربط مصير الجولان بسيناء و فلسطين , ولم يقبل بأية حلول او تسويات سلمية ناقصة , وفي عام 1973 خاضت سوريا حافظ الاسد معركة ناجحة مع اسرائيل هدفت لتحرير الجولان و انتهت بتحرير مدينة القنيطرة و مرصد جبل الشيخ , و اشركت في معركتها مصر, و الاردن , و الكويت . وبذلت الجيوش العربية بسالة فريدة من نوعها تقدمها اللواء اربعون الاردني العسكري - القوات المسلحة الاردنية الباسلة الجيش العربي بقيادة الجنرال خالد هجهوج المجالي , و قدموا قافلة من الشهداء . وشمل قرار مجلس الامن 242 الصادر عن الامم المتحدة اعادة الجولان –الهضبة العربية السورية الى العرين السوري , و قرار 338 اكد ايضا على عروبة الجولان . و شهد عام 1981 ضم اسرائيلي للجولان رسميا , وهو ما رفضه مجلس الامن بأصدار قراره رقم 497 . وشهدت مدريد جولات عام 1991 سورية – اسرائلية , وتم الاعلان عن وديعة رابين الخاصة بالانسحاب الاسرائلي من الجولان .
و شهد عام 2000 قبل وفاة حافظ الاسد مفاوضات بشأن الجولان قادتها امريكا بقيادة الرئيس بيل كلينتون , و شارك فيها يهود اولمرت . وفي عام 2008 قادت تركيا اوردوغان و ساطة بين سوريا بشار الاسد و اسرائيل ايهود اولمرت بشأن الجولان , الا انها فشلت بسبب تمسك دمشق بصيغة من دون شروط استراتيجية سيادية . و دخلت سوريا في ازمة دموية من وسط هيجان الربيع العربي عام 2011 , و غزاها الارهاب من 80 دولة , و شكلت سببا في استثمار اسرائيل للظرف السوري الصعب للماطلة في اعادة الجولان لسوريا . و في عام 2014 , ومع دخول روسيا لحلبة الازمة السورية و بهدف مطاردة الارهاب , و بما في ذلك المجند و الخارج من روسيا نفسها ,ومن بلاد السوفييت السابقة , تم تفكيك ترسانة سوريا الكيميائية العسكرية التابعة للجيش العربي السوري بالتعاون مع امريكا , و مجلس الامن , بعد فشل امريكا في الوصول لايجاد مخرج لها . وكل ذلك جرى من اجل حماية سوريا و نظامها السياسي اولا , و لحماية المنطقة العربية ,و اسرائيل كذلك . وسبق لأسرائيل ان دمرت مفاعلا نوويا سوريا في القصير عام 2007 . و شكل دخول امريكا لميدان الازمة السورية الدموية في بداياتها عام 2011 خلطا لاوراق الازمة , و زجت الى داخلها دولا عربية , و ساهمت في تأزيم العلاقات العربية - السورية , رغم نوايا العرب الطيبة في اسناد الوضع المعيشي للانسان السوري عبر دعمه بمستلزمات الحياة , وتحقيق الامن و الامان لديه , و العمل على ايواء اللاجيء السوري , و اعتباره شقيقا يستطيع ان يعود طوعا لبلاده سوريا حالة استقرار الوضع الامني فيها , وتعافي البنية التحتية لمدنها و قراها . وهنا لا ننسى بأن امريكا راعية اسرائيل ارتكبت جرما تاريخيا بتوقيع رئيسها دونلاند ترمب على اسرلة الجولان بواشنطن بتاريخ 25 اذار 2019 . و بحضور البهلواني بنيامين نتنياهو .
و اسرائيل لا تعتبر نفسها احتلالا استيطانيا غازيا لبلاد العرب , و تتصرف على انها صاحبة الدار بالارتكاز على التوارة القديمة , و خاصة النسخة المزورة منها , و تبحث في جوف بلادنا العربية عن هيكل سليمان المزعوم , وحالة عدم العثور عليه , وهو المؤكد , فأنها ستعمل على بناء شبيه له حسب خيالهم التوراتي . و هكذا هي تتصرف مع سوريا , و تتذرع بحجج واهية ( كل ما دق الكوز بالجرة ) , ولها اسبابها غير المشروعة في تطاولاتها من اهمها استبداد النظام السوري على شعبه , وهو موضوع جدلي سوري- سوري , ولانتشار المليشيات الايرانية في سوريا , وهو امر له علاقة مباشرة بطبيعة النظام السوري وعلاقاته الخارجية - الجيوبولوتيكية . وبسبب علاقة النظام السوري بحزب الله , وهي علاقة ايدولوجية ذات تماس بالهلال الشيعي داخل العالم السني , ومع التركيبة العلوية لنظام الدولة السورية . و بالمناسبة سوريا كدولة مقاومة لا تمتلك حزبا او جبهة مقاومة خاصة بها غير حزب الله اللبناني الذي تنسجم معه , و تشكل بالتعاون معه حالة مقاومة واحدة في مسيرة المصير الوجودي بوجه الاحتلال الاسرائيلي . وفي المقابل لا زالت سوريا غير قادرة في وقتنا المعاصر على اعادة الجولان في السلم و الحرب , و لازال حزب الله غير قادر على اعادة مزارع و تلال شبعا اللبنانية , وهنا لا اتحدث عن جهود ايران الخاصة في تحرير فلسطين , والتي لازالت سرابية عبر دعمها للمقاومة اللبنانية , و الفلسطينية , و عبر انتشار مليشياتها في سوريا , و مستشاريها ايضا , الى جانب فصائل من حزب الله .
وفي المقابل فأن امريكا تماما مثل اسرائيل , و بسبب انحيازها الاعمى لها , شاركت في توجية ضربات صاروخية لسوريا , ومطار الشعيرات العسكري السوري عام 2017 شاهد عيان . وحجة واشنطن بأستخدام دمشق لاسلحة كيميائية ضد الشعب السوري , و التسبب في مقتل اكثر من مائة سوري . ودراسة حديثة 2019 2020 قدمت للامم المتحدة تحدثت وعلى شكل فيديو عن تزييف الهجمات الكيميائية داخل سوريا والتي اتهم بها النظام السوري . و كشفت عن عملية التزييف التي قادتها جماعة ( الخوذة البيضاء ) 40 ارهابيا ارتبطو بها , و من خلال استخدامهم لبسطاء الناس في سوريا العاطلين عن العمل و مستخدمي الطرقات , لتمثيل ادوار درامية ذات علاقة بالسلاح الكيميائي , وكأنها حقيقة . ) تقرير مكسيم غريغيرويف لشبكة نت فلكس , وشمل دوما السورية ), و يقابل هذه المعادلة غياب تشكيل لجنة تقصي حقائق في الوقت المناسب على الاراضي السورية , وحسب الاحداث .
القصف الاسرائيلي المتكرر للاراضي السوري ( 2003- 2020 ) يخترق السيادة السورية , ولا تهديد سوري او ايراني , ولا حتى من طرف حزب الله لأسرائيل ملاحظ . وفي المقابل سوريا منذ عام 2015 تقع تحت الوصاية الروسية وسط امتداد الحرب الباردة , و تعترض على القصف الاسرائلي لسوريا ولا تتدخل مباشرة لمنعه . و سوريا نفسها غير قادرة حتى الساعة على الرد المباشر على هجمات اسرائيل . و العرب لا يعنينهم امر اسرائيل و تطاولاتها كثيرا بسبب غياب وحدتهم الحقيقية . و تركيا تتحرش بسوريا في الشمال مستغلة عدم جاهزية الجيش العربي السوري لفتح معارك جانبية . و اخيرا هنا و ليس اخرا تدعونا نتصور لو ان سوريا نفذت طلعات جوية عسكرية داخل اسرائيل ماذا سيحدث؟ وكيف ستكون صورة القانون الدولي المنحاز لها ؟