facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أين تقف العلمانية في الجمهورية التركية؟


سيف الدين محمد الكيلاني
28-07-2020 03:56 PM

مهما طال الحديث عن الدولة التركية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، فلا يمكننا الحديث عن الشعب التركي بمعزل عن تاريخه، وثقافته، وعاداته، المنقوشة في صدورهم، والتي تناقلوها من جيل إلى آخر بمختلف توجهاته. صحيح أن الزمن قد غيّر الكثير من نظرة الأتراك لتاريخهم ودولتهم العثمانية «الواهنة اقتصاديًا وسياسيًا»، كما يلقَّنون. ولا شك أن طبقة ثقافية جديدة قد ولدت قبيل انهيار الدولة العثمانية واستمرت في العيش تحت مظلة الدولة الحديثة، وهي حاضرة ولا يستهان بها. كما انها تشكل جزءًا مهما من الرأي العام التركي، وتؤثر في رسم السياسات بشكل أو بآخر حتى يومنا هذا. لكننا، مع ذلك، رأينا التفافهم جميعًا حول رئيس الجمهورية في قراره بتحويل آيا صوفيا إلى "مسجد كبير شريف."

بالنسبة لعدد كبير الشعوب العربية والإسلامية، كانت هذه الخطوة تاريخية، واعتُبرت على انها نصر كبير للمسلمين في وقت عصيب يواجهون فيه هجمات من جبهات عدة. لكن هناك من اعتبره أيضا على انه قرار سياسي بحت، جاء تجاوبًا مع التغيّرات الطارئة على الساحة السياسية والعسكرية في المنطقة.

لعل ما يهم هو موقف الأتراك أنفسهم من هذه الخطوة. وقد يتبادر الأذهان سؤال هام: ماذا حدث للتركي «ابن الجمهورية»، وقد رأى رئيس بلاده وصانع القرار الأكبر فيها، يقرأ آيات من القرآن في أيا صوفيا، والتي كانت رمزًا هامًا جدًا للعلمانية التي غرسها أتاتورك في قلب كل تركي بعد أن تحولت لمسجد للمسلمين؟ ما من شك في أن هذه الخطوة كان لها وقع كبير. لكن هل تُعتبر سياسة "اللاعلمنة" هذه جديدة؟

ذاع صيت رجب طيب أردوغان في حملته الانتخابية المحلية في إسطنبول، ذات التعداد السكاني الأكبر في الدولة. وقد رسخت شعبيته لدى مختلف أطياف الشعب التركي بعد توليه رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994. فقد أوفى بوعوده، ونجحت خطته، وأحرز نقلة نوعية في كافة مجالات حياة المواطن التركي في بلدية إسطنبول. وعلى الرغم من وجود شكوك من قبل البعض حول نواياه ومنهجه، إلا أنه بدد هذه المخاوف بتبنيه نهجًا وحدويًا جامعًا لكافة أطياف الشعب وشتى ألوان الطيف السياسي.

تسببت له قصيدة وُصفت بالدينية (لاحتوائها عبارات تنادي بإنقاذ الأقصى والحرب مع اليهود) بإلقائه في السجن عام 1997. لكن لم يكن أردوغان كمعلمه نجم الدين اربكان، مرشح حزب الرفاه— الذي أُبعد عن منصبه في الرئاسة الجمهورية بعد سنة واحدة فقط. كان توجه اربكان إسلاميًا. ولكن انتهج اردوغان سياسة التدرّج في تحقيق «التغيير».

بعد الإنقلاب العسكري عام 1980، مُنع ارتداء الحجاب في أماكن عدة أهمها المؤسسات الحكومية التركية. عبّر أردوغان، عند توليه السلطة، عن رغبته برفع حظر النقاب، إلا أن ذلك قوبل بمعارضة شديدة من الداخل التركي. (المصدر: تي آر تي العالمية) لم تستطع محكمة حقوق الإنسان الأوروبية أن تحل هذه المشكلة بعد أن قامت إحدى الطالبات برفع دعوى بعد حرمانها من حقها في التعليم بسبب حجابها. فضلت المحكمة تسليم هذه القضية للمحكمة التركية «كونها مسألة ذات خصوصية تركية متعلقة بالتاريخ والثقافة التركية».

بالطبع، لا تقل مسألة الحجاب أهمية عن أي مسألة ثقافية أخرى واجهت المجتمع التركي، الذي يملك ميراث دولة نوعًا ما دينية امتدت لستة قرون. لم يقم أتاتورك بحظر الحجاب عند ترؤسه الدولة التركية الحديثة، ولكنه فرض تشريعات معينة خاصة باللباس بشكل عام، ومنع ارتداء الطربوش أو الـFez، الذي كان رمز «المروءة» عند الرجال في الدولة العثمانية ورمزًا ثقافيًا، وحورِب كل المخالفين. وقد يُنظر إلى الحجاب وغطاء الرأس على انه مرحلة أخرى لهذا الصراع الثقافي-السياسي.

يسخر الشارع التركي من مقولة "تركيا دولة علمانية" في عدة مناسبات. فالمؤسسة "غير الرسمية" الناظرة في أمور الدين، وبالتحديد الإسلامي، «وقف الديانة التركي»، لها صلات وثيقة بالحكومة وبموظفين ومسؤولين فيها. كما زادت الحكومة التركية الإنفاق على هذه المؤسسة بنسبة تصل لتسعين بالمئة، وتجاوزت ميزانيتها ميزانية وزارات أخرى كالداخلية والخارجية، ووزارات أخرى هامة. كما أصبح لها بطبيعة الحال، ترافقًا مع ارتفاع ميزانيتها، دورًا هامًا بارزًا في الإعلام والتلفاز التركي، بين فئة الشباب، والجمعيات الطلابية، والجمعيات التي تقدم مشاريع داعمة للشباب وسكنات طلابية، وحملاتهم الترويجية والاحتفالات الكبيرة بمناسبات دينية وغير دينية، الأمر الذي زاد بشكل كبير توغلهم داخل المجتمع. يتساءل المعارضون بسخرية: «هل نتوقع أن تكون دولة يكون فيها وقف الديانة مرتبطًا برجال الدولة هذا الإرتباط، وتخصص له وللعاملين فيه نفس الدولة رواتب وميزانية كبيرة دولة علمانية؟ حتى لو كان وقف الديانة هذا لخدمة متبعي الدين الإسلامي فقط؟»

وقد يتساءل آخرون: هل تخلّت تركيا عن موروث العلمانية، وبموافقة غالبية شعبها؟ هل كل هذا يعتبر تصرفًا دينيًا بحتًا لا يقبل في دولة أولى مواد دستورها تؤكد مبادئ لا-دينيتها وعدم قابلية هذا الأمر للتعديل والتغيير؟ لقد أكد أردوغان أن مسجد ايا صوفيا سيبقى مفتوحًا لجميع الراغبين بزيارته، فهل هذا تصرف ديني بحت، أم له دلالة سياسية في زمن غلب عليه الغموض والتشويش؟

يبدو أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم حكمًا تامًا على موضوع كهذا، ولو أن خصائص دولة أتاتورك والعسكر من بعده قد تحرفّت بشكل كبير، ولو أن امارات دولة دينية قد ظهرت. لكن الفرق بين علمانية الدولة و«دينيّتها» ليس واضحًا دائما، كما توجد نماذج مختلفة من العلمانية حول العالم؛ من أكثرها تطرفًا كالذي عند الفرنسيين، إلى النسخة الأنجلو-ساكسونية والنسخة الروسية. وكما أن للدين خصوصية كبيرة عند المجتمع التركي، فإن أكثر من تسعين بالمئة من سكان الجمهورية هم من المسلمين.

بالطبع، لا يعني ذلك بالضرورة تبني هؤلاء المسلمين ايديولوجية دينية، ولكن قد يحتاج كثير منهم إلى جهة (رسمية) يلجأ إليها لقضاء بعض حاجاته. ما يهم هو عدم قيام الدولة بالتمييز بين أفراد من ديانات مختلفة، وذلك هو أدنى حد من العلمانية بمختلف صورها، وهذا هو رمزها. فعدم تبني الدولة نظرة معينة لكافة تفاصيل الحياة يسهم في التعددية، وإدماج كافة عناصر المجتمع للوصول لأعلى نسب الإنتاجية.

إن الدولة التركية علمانية دستورًا الآن ولكنها تتبع اتجاهًا معينًا وينعكس ذلك على سياساتها كافة، الداخلية منها والخارجية. لكنها ليست الصورة التي أرادها أتاتورك وحزبه، بل هي نمط جديد في السياسات ولا يمكن فرض وجود سياسة واحدة ثابتة مع عالم متغير تغيرًا دائما. بعد بناء الجمهورية وإرساء أساساتها، أُريد قطع صلتها بماضيها وبالشرق عمومًا، ومقابل ذلك، بناؤها دولة قوية تعتمد على ذاتها، وتتبنى النموذج التنموي الغربي. ولعل الصراع هنا يدور أساسًا، وفي جذوره، حول ما إذا كان هناك أي نموذج آخر يثبت جدوته ونجاحه غير النموذج الغربي. وبرأيي هذا أصل الصراع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :