وأخيرا ستتوحد مؤسسات الاستثمار
حسن الشوبكي
27-02-2010 02:07 AM
وأخيرا، ستدرس الحكومة دمج مؤسسات الاستثمار في جهة مرجعية واحدة، ولا يمكن فهم او قبول عدم تمكن الحكومات المتعاقبة منذ العام 2000 على تحقيق هذا الأمر.
ولعل عدم تحقيقه قد فوّت فرصا كبيرة على اقتناص لحظات تاريخية سابقة كانت ستساعد البلاد في توطين الاستثمار على نحو منهجي فاعل.
ولا يمكن البقاء على الوتيرة السابقة ذاتها ولا يمكن ان تروج كل مؤسسة للاستثمار على طريقتها الخاصة وكأنها تتحدث عن دولة اخرى غير تلك التي تتواجد فيها، فلدينا خمس مؤسسات معنية بالاستثمار وكان عملها يتضارب احيانا وفق سياق غير مجد: تشجيع الاستثمار، هيئة المناطق التنموية، المدن الصناعية، الاردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية، والمناطق الحرة.
عقدنا ندوات كثيرة وخلوات اكثر ومؤتمرات ودراسات وتوصيات وشهدت قاعات الفنادق صخبا واسعا حول اشكالية توحيد المرجعية الاستثمارية على امتداد السنوات العشر الاخيرة، غير ان تحديات اللحظة الحاضرة كبيرة ومعقدة وتحتاج الى خلق نمو اقتصادي بكل الطرق الممكنة. ولعل جذب الاستثمارات من اهم الاولويات لتحقيق النمو المأمول، ونتمنى ان لا تطول القصة مجددا لا سيما وان لجان الحكومة تدرس حاليا الدوافع والفرص الممكنة لإجراء دمج المؤسسات الاستثمارية والصيغة التشريعية اللازمة لتحقيق الدمج.
الحديث عن النماذج الدولية وقصص النجاح يجب ان ينطوي على معرفة تفاصيل العلاقة بين المكتوب على الورق وارادة الدولة وكلاهما يكمل الاخر، فخطط توحيد جهود الاستثمار وتسهيل اجراءاته في ايرلندا – البلد الشبيه في كثير من تفاصيله بالاردن– توازت في خط مستقيم مع ارادة سياسية هدفها الاول والاخير تحويل ايرلندا من بلد مصدر للعمالة وطارد للاستثمارات الى دولة تجذب الاستثمار والعمالة في ذات الوقت، ومثلها كوريا الجنوبية التي شكلت تجربتها انموذجا لنجاح تجارب النمور الاسيوية رغم تحفظات الباحثين بسبب استمرار تدفق الدعم الاميركي لكوريا منذ اربعينيات القرن الماضي.
وكذلك بالنسبة لماليزيا التي شهدت نهضتها تحولات وانفتاحا على العالم، وأضحى هذا البلد الاسلامي منافسا كبيرا في الاقتصاد الاسيوي والعالمي بعد ان انتقل من مرحلة الزراعة التقليدية ليصبح قاعدة صناعية ضخمة تصدر منتجات رئيسة وحيوية الى كل ارجاء المعمورة.
في التجارب الناجحة على صعيد الاستثمار، تمتزج الارادة للنخب السياسية مع مخططات واضحة لجذب المال والبشر وفق نسق ذكي لا تردد فيه، بحيث تمضي مسيرة تلك الدول في تقدم مستمر، وهو ما ينعكس على القوى البشرية التي تمكن النمو الاقتصادي في تلك البلدان من جعلها خارج حدود الفقر واقرب الى الطبقة الوسطى فضلا عن حيوية الدور الذي لعبه وما يزال الفرد بوصفه صانع قصة النجاح ومحركا رئيسا للتنمية في بلاده.
المأمول ان تتم تجربة توحيد مرجعية الاستثمار محليا وفق اسس شفافة ومنطقية كما يجب ان تترافق مع ارادة سياسية حقيقية لجذب الاستثمار وتذليل العقبات امامه.
ولا يخفى على الحكومة ان الفساد سبب مباشر في تعطيل حركة المال، وان البيروقراطية باتت شيئا من الماضي، وان التعليم يعد رافعة لتحقيق المنافسة على صعيد العنصر البشري الذي افرطت دول اسيوية في تحسين شروط حياته وتعليمه، فاعطاها جل ما لديه من ابداعات وقدرات حتى امست النمور الاسيوية ملاذا للاستثمار وساحة للتميز الاقتصادي.
خطة دمج المؤسسات الاستثمارية يجب ان تكون اولوية على اجندة الحكومة الحالية ويجب ان تحظى بكل اشكال الرعاية والاهتمام، بل ويجب ان يفكر رجال الاعمال الاردنيون مع الحكومة للخروج بمؤسسة ترضي الخارج وتلبي تطلعات الداخل، شريطة ان تنتهي تلك الخطة الى تفعيل شراكة حقيقية -لا على الورق وفي الحناجر– بين القطاعين العام والخاص، نظرا لأن جذب الاستثمار جهد مشترك وتفاعلي ولا ينحصر في الحكومة وحدها.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد