النموذج الذي ساد لعدة عقود عالميا وتحديدا منذ عقد السبعينيات، قام على مبادئ بسيطة يعرفها كل من درس الاقتصاد او دخل عالم الاعمال “مضاعفة الأرباح والقيمة بالنسبة للمستثمر” على حساب أي اعتبارات أخرى، وخلال العقد الأخير شهد هذا النموذج تغييرا بسيطا لصالح التركيز على الابعاد المجتمعية، وبدأنا نشهد بعض رجال الأعمال يخصصون وقفيات لمساعدة الفقراء او ذوي الدخل المحدود حول العالم، لكن هذا التغيير ظل محدودا وتمت ادارته لصالح تحسين صورة المؤسسات التي تنامت أرباحها واصولها بشكل مبالغ فيه خلال فترات قصيرة، لكن غالبية الشركات ظلت وفية للمدرسة التي وضعت تعظيم الأرباح كهدف أساسي يتم على اساسه تقييم الشركات في الاسواق العالمية.
والحال كذلك، شهدت الأشهر الأخيرة -بعد جائحة كورونا- انهيارات واعلانات اغلاق لشركات مشهورة، بعضها يعمل منذ عقود وتمتلك علامات تجارية مشهورة لم يكن احد يشكك في قدرتها على الصمود لعدة شهور في الأسواق في اطار التكيف مع ازمة كورونا وما نجم عنها من تراجع في الطلب، حدث كل ذلك على الرغم من حزم التحفيز وخطوط الائتمان التي فتحت لتلك الشركات من قبل الحكومات في تلك الدول.
خلاصة عقود من العمل افرزت نموذجا للأعمال ظل إلى ما قبل جائحة كورونا هو النموذج الأكثر اتباعا واعتبر الأكثر نجاعة، لكن هذا النموذج كما يتضح الآن تضمن عددا من العيوب ابرزها تفاوت كبير في الدخل بين الأغنياء والفقراء، ولم تتمكن حكومات العالم من سد تلك الفجوات من خلال سياسة انفاق عام تركز على البعد الاجتماعي خصوصا في مجالي الصحة والتعليم، لتصبح المشكلة أكثر تعقيدا وصعوبة في الحل. والعيب الثاني تمثل في الابتعاد عن القطاعات الإنتاجية التقليدية مثل الصناعة والزراعة لصالح الخدمات التكنولوجية مع تركيز كبير على التوسع في الاستهلاك على المدى القصير بدلا من الاهتمام بالديمومة والانتقال الى مراحل جديدة، وتم الاعتماد على سلاسل تزويد “معولمة” اضعفت من قيمة مبدأ الاعتماد على الذات.
محليا لم يبتعد الأردن عن هذا النموذج، فسادت سياسة اقتصادية منفتحة جعلت تصنيف الأردن من بين الأكثر انفتاحا في العالم على صعيد التجارة الخارجية، وحدثت هجرة للقطاعات التقليدية مثل الزراعة التي تولد آلاف فرص العمل ولكن العاملين فيها معظمهم من الوافدين، وسادت أنماط استهلاكية لا تتناسب ومستوى الدخل او المقدرات الوطنية ويمكن سرد الكثير من الظواهر السلبية في هذا السياق وهو توجه لم يكن الأردن قادرا على مقاومته في حينه.
والسؤال المطروح حاليا هو اذا كان العالم يعيد النظر في نماذج الانفتاح وتعظيم الأرباح، والتركيز على القطاعات الإنتاجية المحلية وتجاوز أخطاء المراحل السابقة، فما خطة الطريق المحلية الجديدة، وكيف سيتم تحديد أولويات المرحلة المقبلة، وهل سنشهد ولادة نموذج جديد اكثر توازنا وديمومة من النموذج الحالي الذي لا نحتاج الى هدمه بقدر ما نحتاج الى إعادة هيكلته وترتيبه لكي يصبح اكثر استجابة للمتغيرات التي ستبقى معنا لبعض الوقت؟ كل هذه أسئلة تستوجب وجود إجابات حاسمة حولها، ويجب ان يتمحور الاتجاه الاستراتيجي حولها، فسرعة الاستجابة تجعل الاردن في مقدمة الدول التي يمكن ان تستفيد من التحولات الجارية، لكن هذا التحول لن يكون سهلا ويحتاج الى وضوح وتصميم وأداء مؤسسي فاعل، فالأردن ليس وحده من يحاول التكيف مع المستجدات، والنافذة المتاحة ليست مشرعة دائما.
الغد