جرت العادة في كل ربيع أن نقوم بمسير راجل في وادي مخيرس الواقع ضمن محيط البحر الميت الغني بتفرده الجيولوجي وجماله الطبيعي والحيوي، إلا أن جائحة الكورونا والحضر لأجل السلامة العامة منعنا من هذا العرف والزيارة السنوية في أجمل أوقات العام لأخفض بقعة في العالم.
بدأ المسار انطلاقاً من منطقة عيون الذيب الواقعة غرب جبل نبو عبر الطريق المتعرجة من بلدة الفيحاء "المصلوبية" ضمن محافظة مادبا وتحديداً من المنطقة المحاذية لمزارع العنب والكرمة، ويعد مسار ثابت لا يحتاج الى ترسيم ولكن مع فياضانات الشتاء تحدث تغيرات فيه وتغير في الدروب المعتمدة وخاصاً الالتفافية حول الشلالات الخمسة المتراوحة الارتفاعات، الأمر الذي يتطلب من أن يقوم الكشاف بتحديد المناطق الآمنة للمسير وتمرير المعلومة لقائد الدرب بكل حرص ودقة، فخطأ واحد قد يتسبب بانزلاق من اطراف الوادي ذات الارضية الترابية الرسوبية الغير متماسكة والتي تضعف في موسم الشتاء، ومن قواعد وأنظمة رياضة المسير المتعارف عليها دولياً عدم القيام بالانزلات بالحبال إلا في حالات الضرورة القصوى والاستعاضة عنها بالالتفاف حول العائق حتى لو تطلب ذلك مسير بضع كيلو مترات إضافية، ونجاح مثل هذا المسار المصنف بالحَذّر يتوجب اليقظة و التعاون بروح الفريق الواحد، فكل مشارك يرشد زميله أين يتمسك وأين نقاط الخطر والأمان وعدم التباعد في حين لو غاب من أمام ناظريك قد تقع في فخ الصخور الكروية الملساء أو التعرض لإصابة.
فضمن الكيلو الاول والثاني تسير خلال فجوج صخرية جرداء ملونة تتراوح ما بين المتر ونصف والثلاثة أمتار ذات أرض جافة، ويبدأ بعدها توالي العيون المائية العذبة لتشكل مجرى السيل ذو منسوبات مختلفة وبجمال أخاذ عند كل شلال من الشلالت الحية والشلالات القديمة التي جفت بتوالي تغير مجرى الماء تاركة آثار الهوابط الكلسية علامة للزمان والماء، مكللة بنباتات السرخسيات والقصيب والدفلى والطحالب، على امتداده البالغ عشرة كيلومترات.
وللوادي طبيعة جيولوجية خاصة تكونت مع الصدع الكبير وتمثل صخر من العصر الترياسي، تجردت صخور مجراه بسبب شدة الفياضانات وضيقه، وتكوينات بيضاوية صلبة ملساء مختلفة الأحجام إلى جانب طبقات رسوبية متتالية السماكة من عام إلى آخر من الحجر الرملي والجيري، وخلال مسيرك تشعر كأنك محاط بسلسلة من صخور سيزيف بأحجام ضخمة منها البيضاء الناصعة وما لوحتة الطبيعة وجعلتها كأنها ملتهبة، فيما تنقلك الجوانب الشاهقة للوادي إلى تلك الاسطورة " سيزيف" الماكر حسب الميثيلوجيا الإغريقية عندما عاقبه الاله زيوس بأن ينقل الصخرة الكروية الكبيرة من اسفل الوادي الى أعلاه، فكلما وصل للقمة تتدحرج ويعود لنفس الكرة في عذابه الأبدي، وما زاد الإحساس بهذا الشعور ارتفاع درجة حرارة الوادي الغوري والمنعكسة من أرضه وصخوره بشكل ملحوظ والتي وصلت الى 40 درجة، هاربين منها عند كل شلال وبركة ماء.
ولا نعلم هل اسم مخيرس هو الاسم العربي المشتق من مكاريوس او مكاور؟ وهل له علاقة بمعمد البشرية نبي الله يحيى عليه السلام، كونة قريب من منطقة المغطس ومحاذي تقريبا للطريق الواصل مابين عين سالم وجبل نيبو؟
وينتهي الوادي وجماله بجر كامل مياهه لخدمة فنادق الخمس نجوم عند شاطئ البحر الميت عند الكيلو الأخير منه.